ومن أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسرين: أنه إنما قيل: المولود له دون الوالد: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهن لان الأولاد للآباء ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، وأنشد المأمون بن الرشيد:
وإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللآباء أبناء.
انتهى ملخصا، وكأنه ذهل عن صدر الآية وذيلها حيث يقول تعالى: أولادهن ويقول: بولدها، وأما ما أنشده من شعر المأمون فهو وأمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكلامه كلام الله تعالى وتقدس.
وقد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة، وامر التشريع، حكم الاجتماع وامر التكوين فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي، أو حقيقة تكوينية.
وجملة الامر في الولد ان التكوين يلحقه بالوالدين معا لاستناده في وجوده إليهما معا، والاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأمم: فبعض الأمم يلحقه بالوالدة، وبعضهم بالوالد والآية تقرر قول هذا البعض، وتشير إليه بقوله: المولود له كما تقدم، والارضاع إفعال من الرضاعة والرضع وهو مص الثدي بشرب اللبن منه، والحول هو السنة سميت به لأنها تحول، وإنما وصف بالكمال لان الحول والسنة لكونه ذا اجزاء كثيرة ربما يسامح فيه فيطلق على الناقص كالكامل، فكثيرا ما يقال: أقمت هناك حولا أو حولين إذا أقيم مدة تنقص منه اياما.
وفي قوله تعالى: لمن أراد ان يتم الرضاعة، دلالة على أن الحضانة والارضاع حق للوالدة المطلقة موكول إلى اختيارها، والبلوغ إلى آخر المدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك وان لم تشأ التكميل فلها ذلك، واما الزوج فليس له في ذلك حق الا إذا وافقت عليه الزوجة بتراض منهما كما يشير إليه قوله تعالى فإن أرادا فصالا " الخ ".
قوله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها، المراد بالمولود له هو الوالد كما مر، والرزق والكسوة هما النفقة واللباس، وقد نزلهما الله تعالى على المعروف وهو المتعارف من حالهما، وقد علل ذلك بحكم عام آخر رافع للحرج، وهو قوله تعالى: لا تكلف نفس الا وسعها، وقد فرع عليه حكمين