تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٤٢
(فلئن بقيت لأرجعن بغزوة * تحوى الغنائم أو يموت كريم) في سورة الرحمن عند قوله تعالى (وردة كالدهان) على قراءة عمرو بن عبيد وردة بالرفع، بمعنى فحصلت سماء وردة، وهو من باب التجريد كقوله قتادة بن مسلم: فلئن بقيت الخ. اللام موطئة للقسم ولأرجعن بغزوة جوابه، وقوله نحو الغنائم ظرف لأرجعن، ورواه بعضهم نحوي الغنائم بالنون وبعضهم تحوى بالتاء والجملة صفة غزوة، وقوله أو يموت كريم أو بدل عن إلا ويموت منصوب بأن مضمرة كأنه قال: إلا أن يموت كريم: يعنى به نفسه.
(فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد * صداها ولا يقضى عليها هيامها) في سورة الواقعة عند قوله تعالى (فشاربون شرب الهيم) وهى الإبل بها الهيام، وهو داء تشرب منه فلا تروى، والجمل إذا أصابه ذلك هام على وجهه، جمع أهيم وهيماء. والمعنى: أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل، فإذا ملئوا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الهيم. والبيت لذي الرمة من قصيدته المشهورة التي أولها:
مررنا على دار لمية غدوة * وجاراتها قد يعتمدن قيامها (فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها) هو للبيد. في سورة الحديد عند قوله تعالى (مأواكم النار هي مولاكم) أي هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد فغدت الخ. وحقيقة مولاكم: محراكم ومقمنكم: أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل هو مئنة للكرم:
أي مكان لقول القائل إنه لكريم، ويجوز أن يراد هي ناصركم: أي لا ناصر لكم غيرها، والمراد نفى الناصر على البتات. ونحوه قولهم: أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع، ونحوه: فأعتبوا بالصيلم. الشاعر يصف بقرة وحشية قعدت فزعة لا تدرى أقدامها الصائد أم خلفها، فغدت مذعورة لا تعرف منجاها من مهلكها. والضمير في أنه راجع إلى كلا باعتبار اللفظ وإن تضمن معنى التثنية. ويجوز حمل الكلام بعده على لفظه مرة وعلى معناه أخرى، والحمل على اللفظ أكثر، قال الله تعالى (كلتا الجنتين آتت أكلها) ومولى المخافة في موضع الرفع لأنه خبر أن وخلفها وأمامها خبر مبتدأ محذوف: أي هما خلفها وأمامها، فيكون تفسير كلا الفرجين، ويجوز أن يكون بدلا من كلا الفرجين وتقديره: فغدت كلا الفرجين خلفها وأمامها تحسب أنه مولى المخافة.
(يتقارضون إذا التقوا في موطن * نظرا يزل مواطئ الأقدام) في سورة ن والقلم عند قوله تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) يعنى أنهم من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك، من قولهم: نظر إلى نظرا يكاد يصرعني ويكاد يأكلني: أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله كما قال: يتقارضون وكل امرئ به يتجازى الناس فهو قرض وهما يتقارضان الثناء: أي كل واحد منهما على صاحبه. يقول: إذا التقوا في موطن ينظر كل واحد منهم إلى الآخر نظم حسد وحنق حتى يكاد يصرعه وهو الإصابة بالعين، يقال صرعني بطرفه وقتلني بعينه، وقال صلى الله عليه وسلم " العين حق، إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر " وعن الحسن: دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية (وإن يكاد الذين كفروا).
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»
الفهرست