تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٤٦
أنه يقول: صفحنا عنهم وقعدنا عن حربهم وذكرنا القرابة بينهم وظننا أن جاهلهم يرجع إلى الحسنى، فلما أبوا إلا الشر ركبناه فيهم. والشعر لشهل بن ربيعة. وليس في العرب شهل بالمعجمة غيره. وأول الشر:
صفحنا عن بنى ذهل * وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعن * قوما كالذي كانوا وبعده البيتان، وبعدهما:
مشينا مشية الليث * غدا والليث غضبان بضرب فيه تفجيع * وتخضيع وإقران وطعم كفم الزق * غدا والزق ملآن وبعض الحلم عند الجهل * للذلة إذعان وفى الشر نجاة حين * لا ينجيك إحسان (ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني) في سورة الفاتحة عند قوله (غير المغضوب عليهم) حيث كان صفة للمعرفة فهو كتعريف اللئيم في البيت، فإنه لم يرد به لئيما بعينه بل لئيما من اللئام، وكذلك الذين هنا فإنه قريب من النكرة لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم و " غير المغضوب " قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة، فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه. وقد يجاب عن ذلك أيضا بأن غير إذا وقعت بين متضادين وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة كقولك:
عجبت من الحركة غير السكون، وكذلك الأمر هنا لأن المنعم عليه والمغضوب عليه متضادان. والبيت لرجل من بنى سلول، وبعده:
غضبان ممتلئ على إهابه * إني وربك سخطه يرضيني وإنما جئ بلفظ الماضي تحقيقا لمعنى الإغضاء والإعراض. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة النساء عند قوله تعالى (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) حيث كان قوله: لا يستطيعون صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان: وإنما جاز ذلك والجمل نكرات لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشئ بعينه كقوله: ولقد أمر على اللئيم الخ. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة يس عند قوله تعالى (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) على أن الجملة صفة الأرض حيث أريد بها الجنس، وجاز أن يوصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما الجن 0 سان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال كما في البيت، وإنما لم يحمل على الحال لأن المعنى على استمرار مروره على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال: أمر وعطف عليه فمضيت، والتقييد بالحال لا يؤدى هذا المؤدى، وقد اعتبر ذلك في مواضع فاعتبروا المعرف بأل الجنسية دون لفظه موصوفا بالنكرة الصريخة نحو: الرجل خير منك على أحد الأوجه، وقوله: إلا الذين بعد قوله: إن الإنسان، وقوله (أو الطفل الذين لم يظهروا) وأهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض، لأن كلا منها مما روعي فيها المعنى دون اللفظ، والميل إلى المعنى والإعراض عن جانب اللفظ باب مشهور في علم العربية. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الجمعة عند قوله تعالى (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار) قال في الكشاف: إن قلت يحمل ما محله؟ قلت: النصب على الحال أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني الخ.
(٥٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 ... » »»
الفهرست