أصولها كأنه قال: عضضت من نابى حال كونها باقية على جذم ذاهبا سائرها. وأشطره: أراد حواليه وجوانبه، يريد أنواع الخير والشر، فإذا قيل شطريه أريد الجنسان.
(تراك أمكنة إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها) هو للبيد. في سورة المائدة عند قوله تعالى (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) يعنى بذنب التولي عن حكم الله وإرادة خلافه، فوضع بعض ذنوبهم موضع ذلك. وأراد أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد، وأن هذا الذنب مع عظمه بعضها وواحد منها، وهذا الإبهام لتعظيم التولي، ونحو البعض في هذا الكلام ما في قول لبيد * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * أراد نفسه كما قال:
فلئن بقيت لأرجعن بغزوة * تحوى الغنائم أو يموت كريم يعنى نفسه. يقول الشاعر: إني لأترك أرضا أجتويها وأقلبها إلا أن أموت ولا أقدر على تركها، وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام كأنه قال: نفسا كبيرة أو نفسا أي نفس، فكما أن التنكير يعطى معنى التكثير وهو في معنى البعضية فكذلك إذا صرح بالبعضية. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة المؤمن عند قوله تعالى (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) حيث قال - بعض الذي يعدكم - وهو نبي صادق لابد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه، وقد ذكر الجواب عن ذلك في الكشاف بقوله قلت لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى إلى ملاومتهم ومداراتهم ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول ويأتيهم من جهة المناصحة وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه ليسمعوا منه ولا يردوا عليه، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل. قال في الكشاف: إن قلت فعن أبي عبيدة فسر البعض بالكل. قلت: إن صحت الرواية عند فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقى: كان أجفى من أن يفقه ما أقول له انتهى. وأما حديث مسألة العلقى: فما نقل أن أبا عثمان المازني قال للمبرد: سمعت أبا عبيدة يقول: ما أكذب النحويين يقولون تاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، وسمعت رؤبة ينشد قول العجاج يصف ثورا: * يستن في علقى وفى مكور * جمع مكر: ضرب من الشجر، فقلت: ما واحد علقى؟ فقال: علقاة، فقال المبرد، فهلا قاولته؟ فقال: كان أبو عبيدة أجفى من أن يفهم هذا، وأشار إلى ما نقل عن سيبويه، منهم من يقول علقاة بألف الإلحاق ولو كانت للتأنيث لم تدخل عليها التاء، ومنهم من لا ينون ويجعلها ألف التأنيث وعلقي نبت. والمكور: ضرب من الشجر، واستن الفرس وغيره: أي قمص، وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معه ويعجن برجليه.
(وغداة ريح قد كشفت وقرة * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها) هو للبيد. في سورة المائدة عند قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان) حيث جعل للشمال يدا، ويقال: بسط اليأس كفيه في صدري، كما قال الشاعر:
وقد رابني وهن المنى وانقباضها * وبسط جديد اليأس كفيه في صدري فجعل لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفين. قال الزمخشري: ومن لم ينظر في علم البيان عمى عن تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به، يقول: كم من غداة تهب فيها الشمال وهى أبرد الرياح: أي وبرد قد ملكت الشمال زمامه قد كشفت عادية البرد والجوع عن الناس بنحر