تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٢٠
في سورة النساء عند قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت) على تقدير قراءة الرفع كما رفع زهير:
* يقول لا غائب مالي ولا حرم * ففي الآية يحمل على ما يقع موقع - أينما تكونوا - وهو أينما كنتم كما حمل:
* ولا ناعب إلا ببين غرابها * على ما يقع موقع ليسوا مصلحين عشيرة قوم وهم ليسوا بمصلحين فرفع كما في البيت، والخليل: الفقير، من الخلة بالفتح: أي الحاجة، قال الشاعر: * وإني إلى أن تشفعا لي لحاجة (1) * لأن الخليل بمعنى الحبيب من الخلة بالضم. والحرم بكسر الراء: الحرمان. والمعنى: إن سأله سائل لم يتعلل بل أعطاه وأغناه. والمناسب أن يجعل المصدر بمعنى المفعول: أي لا غائب مالي ولا محروم من حرمته المال: إذا جعلته ممنوعا عنه. والبيت لزهير يمدح به هرم بن سنان. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة هود عند قوله تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) على تقدير رفع الجواب لأن الشرط ماض. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الإسراء عند قوله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) فإنه وقع جوابا لقسم محذوف، ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جوابا للشرط كقوله:
* يقول لا غائب مالي ولا حرم * لأن الشرط وقع ماضيا، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الفرقان عند قوله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) حيث قرئ ويجعل بالرفع عطفا على لفظ جزاء الشرط إذ كان ماضيا. والبيت لزهير بن أبي سلمى من قصيدته المشهورة التي يمدح بها هرم بن سنان، أولها:
قف بالديار التي لم يعفها القدم * بلى وغيرها الأرواح والديم لا الدار وغيرها بعد الأنيس ولا * بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم إلى أن قال:
هو الجواد الذي يعطيك نائله * عفوا ويظلم أحيانا فيظلم وإن أتاه البيت:
(الآن لما أبيض مسربتي * وعضضت من نابى على جذم) هو لأبى العلاء، وبعده:
وحلبت هذا الدهر أشطره * وأتيت ما آتي على علم في سورة المائدة عند قوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) حيث لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية كقولك: كنت بالأمس شابا وأنت اليوم أشيب، فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ولا باليوم يومك، ونحوه الآن الواقع في الشعر، فإن المراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية. والمسربة: الشعرات التي تنبت في وسط الصدر إلى أسفل السرة إذا كان دقيقا، وكان صلى الله عليه وسلم طول المسربة. والعض: التناول بالأسنان، يقال في المثل:
عض من نابه على جذم للمتحسر، والجذم بالكسر: هو أصل الشئ، يريد تحاتت أسناني وسقطت فبقى

(1) قوله (وإني إلى أن تشفعا الخ) في هذا الكلام نقص وتحريف فارجع إلى أصل صحيح فإن الأصل الذي بيدنا سقيم كتبه مصححه.
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 ... » »»
الفهرست