3 - إنه يذيل بعض الأحاديث التي يعتقد أن تأويلها مثار اختلاف بتعليقات يكشف المراد منها - حسب رأيه - و هي في كثير من الأحيان لا تعدو الحق، و في كل الأحيان تدل على سعة علم، و دقة فهم، و تعمق مذهل في كل معارف العصر، و معطيات الحياة.
4 - إنه - و هو الإمام المجتهد في الجرح و التعديل - يعرف ببعض الأشخاص الذين تتشابه أسماؤهم و ينص على كل منهم، و يبين درجة كل منهم، حسب الأصول التي أصلها في كتابيه: (الثقات) و (المجروحين).
5 - و هو لتضلعه بالسنة، و لعلمه الغزير، و لملاحظته النافذة، و ذكائه المتوقد، يدرك بثاقب نظره أين يمكن أن يكون التعارض بين حديثين أو أكثر، فيحاول الجمع بينهما، و يبين المراد منهما، و يكشف عن الحالات التي ينبغي العمل بكل منهما، فيها.
إننا نقول ذلك لا لننصف الرجل، لأن إنصاف هذا الإمام العظيم يكمن فيما ترك من آثار، و بخاصة في هذا السفر الجليل الذي شرفنا الله بخدمته و إخراجه للناس، و هم واجدون فيه تصديقا لما قاله ياقوت في (معجم البلدان) 1 / 415: (و من تأمل تصانيفه تأمل منصف، علم أن الرجل كان بحرا في العلوم).
نهاية المطاف:
لا شك أن ابن حبان قد تعب من السفر الطويل - و السفر قطعة من العذاب - و قد آن لهذا الإمام العظيم أن يعود إلى وطنه - و في الإنسان ميل أصيل إلى مدارج الصبا، و ملاعب الطفولة - ليضع عصا الترحال، و ليمسح عن جبينه المكدود غبار السفر، و شقاوة البعاد، و ليريح جسمه من الضنى و ألم الفرقة للأهل و الأصحاب، ثم ليوزع بعد ذلك ما في جعبته من خير على طالبيه.