و بعد التتبع و الدرس و التمحيص وجدنا أن المجاهيل الذين يوثقهم ابن حبان - كما يزعم الكثير - فريقان:
الفريق الأول: و هم الذين لا يروي عنهم غير واحد، و هو الأهم.
و الفريق الثاني: و هم الذين روى عنهم أكثر من واحد.
نقول: أما بالنسبة للفريق الأول، فإن عبد الرحمن بن نمر قد تفرد بالرواية عنه الوليد بن مسلم، و قد غمز جانبه بعض أئمة الجرح، و مع ذلك فهو من رجال الشيخين.
و قد انفرد البخاري في الرواية عن:
1 - زيد بن رباح المدني.
2 - و عمر بن محمد بن جبير بن مطعم.
3 - و محمد بن الحكم المروذي.
4 - و الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب الجارودي.
و لم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد.
كما تفرد مسلم بالرواية عن جابر بن إسماعيل الحضرمي، و لم يرو عنه غير راو واحد أيضا.
و قال شيخ الإسلام ابن حجر: (... و أما زيد بن رباح فقال فيه أبو حاتم: ما أرى بحديثه بأسا، و قال الدارقطني، و غيره: ثقة. و قال ابن عبد البر: ثقة مأمون، و ذكره ابن حبان في الثقات فانتفت عنه الجهالة بتوثيق هؤلاء.
و أما الوليد فوثقه أيضا الدارقطني، و ابن حبان.
و أما جابر فوثقه ابن حبان، و أخرج له ابن خزيمة في صحيحه و قال: إنه ممن يحتج به).
و قال ابن الصلاح في المقدمة ص: (54): (قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد، منهم: مرداس الأسلمي، لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم.
و كذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، منهم: ربيعة بن كعب الأسلمي، لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن، و ذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه.
و الخلاف في ذلك متجه في التعديل نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه والله أعلم).
و قال ابن حزم في (المحلى) 4 / 53: (... و عبد الله بن بدر ثقة مشهور، و ما نعلم أحدا عاب عبد الرحمن - يعني: ابن علي بن شيبان - بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر، و هذا ليس بجرحة).
و قد زعم الحاكم في (المدخل) أن الشيخين لم يخرجا في الصحيحين عن أحد من الصحابة الوحدان، و تعقبه النووي في مقدمته لشرح صحيح مسلم 1 / 22 بقوله: (و أما قول الحاكم:
إن من لم يرو عنه إلا راو واحد فليس هو من شرط البخاري و مسلم، فمردود، غلطه الأئمة فيه بإخراجهما حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب، لم يرو عنه غير ابنه سعيد، و بإخراج البخاري حديث عمرو بن تغلب (إني لأعطي الرجل و الذي أدع أحب إلي)، لم يرو عنه غير الحسن.
و حديث قيس بن أبي حازم، عن مرداس الأسلمي (يذهب الصالحون)، لم يرو عنه غير قيس.
و بإخراج مسلم حديث رافع بن عمرو الغفاري، لم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت.
و حديث ربيعة بن كعب الأسلمي، لم يرو عنه غير أبي سلمة، و نظائر - في الصحيحين - لهذا كثيرة. والله أعلم.
و تبع البيهقي الحاكم، و تعقبه ابن التركماني بمثل ما تعقب به النووي الحاكم.
انظر سنن البيهقي 4 / 105.
و قال محمد بن إبراهيم الوزير في (تنقيح الأنظار): (بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد، و لم يرو عنه أحد، أو روى عنه واحد، و وثقه هو بنفسه، لخرج عن حد الجهالة، فقد نص أهل الحديث أن التعديل يثبت بخبر الواحد). انظر (توضيح الأفكار) 2 / 187.
و قال أبو الحسن بن القطان - و وافقه ابن حجر -: (إن زكاه أحد من أئمة الجرح و التعديل مع رواية واحد عنه، قبل، و إلا فلا).
و أما بالنسبة للفريق الثاني، فإن إسحاق بن إبراهيم بن محمد الصواف روى عنه جماعة، و لم يوثقه غير ابن حبان، و من وثقه بعده فقد تابعه، و هو من رجال البخاري.
و قد روى مسلم للوليد بن سريع، و عبد الله بن سلمان الأغر، و قد روى عن كل منهما أكثر من واحد و لكن لم يوثقهما غير ابن حبان.
و هناك كثير ممن هذه حالهم، و قد أخرج لهم أصحاب السنن كأبي الأحوص، و أبي أرطاة، و أبي إبراهيم الأشهلي، و أبي راشد، و يزيد بن الحوتكية، و محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث.......... غير أنني اكتفيت في إيراد بعض من هذا وصفه، و له رواية في الصحيح ليكون دفع ما وصف فيه ابن حبان أبلغ، و نفيه عنه أحكم.
و قال الذهبي في (ميزان الاعتدال) 3 / 426: (و في رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم. و الجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، و لم يأت بما ينكر عليه، أن حديثه صحيح).