و اختلاف حجوم أجزائها - قد ضاعت، ما عدا اليسير منها، أدركنا بالغ الخسارة التي منيت بها المكتبة الإسلامية بضياع هذا العلم العظيم.
موقفه مما جمع:
لقد وفق ابن حبان في رحلته الطويلة أيما توفيق، فقد اجتمع له من الشيوخ، و الروايات، و الأخبار، الشيء الكثير، و العدد الوفير، فقد جاء في مقدمة صحيحه أنه كتب عن أكثر من ألفي شيخ، و هذا العدد الجم من الشيوخ يندر أن تجده في إمام من الأئمة، إلا أنه حين شرع في تدوينه الصحيح، أسقط كثيرا من الشيوخ، و لم يعتد بمروياتهم، لأنه لم تتحقق فيهم شروط الصحة التي أبان عنها في مقدمة كتابه، و اقتصر على مئة و خمسين شيخا منهم، أقل أو أكثر، و قد عول على عشرين منهم أدار السنن عليهم، و اقتنع بروايتهم عن رواية غيرهم، فقد جاء في المقدمة:
(و لم نرو في كتابنا هذا إلا عن مئة و خمسين شيخا، أقل أو أكثر، و لعل معول كتابنا هذا يكون على نحو من عشرين شيخا، أدرنا السنن عليهم، و اقتنعنا بروايتهم عن رواية غيرهم).
و يعلق الإمام الذهبي على هذا النص، فيقول: (كذا فلتكن الهمة، هذا مع ما كان عليه من الفقه، و العربية، و الفضائل الباهرة، و كثرة التصانيف) (1).
و أما الشيخ أحمد شاكر فيقول: (و في هذا مقنع لمن أراد علما و طمأنينة) (2).
فابن حبان إذا لم يكن جامعا فحسب، و إنما كان ناقدا فذا، و عالما حصيفا، و مدققا ذكيا، و مجتهدا جريئا، له منهجه و أسلوبه، شجاعا متقحما،