لقد تجول في المدرسة الواسعة - العالم الإسلامي - ليجمع خير ما فيه، و ليضع خير ما جمع في مدرسة صغيرة - في بيته - ليوفر على طلاب العلم سنوات العمر و مشاق الرحلات.
قال الحاكم: (أبو حاتم ابن حبان، داره التي هي اليوم مدرسة لأصحابه، و مسكن للغرباء الذين يقيمون بها من أهل الحديث و المتفقهة، و لهم جرايات يستنفقونها، و فيها خزانة كتبه في يدي وصي سلمها إليه ليبذلها لمن يريد نسخ شيء منها في الصفة، من غير أن يخرجها منها، شكر الله عنايته في تصنيفها، و أحسن مثوبته على جميل نيته في أمرها، بفضله و منته).
رحمك الله أيها الإمام العظيم، و أسكنك فسيح جنانه، ما أشد غيرتك على الإسلام! و ما أكبر حرصك على المسلمين! تجوب العالم الاسلامي كله، متحملا المصاعب و المتاعب و المشاق، لتجمع ما يتشوق كل طالب علم إلى جمعه - و ليسوا عليه بقادرين، ثم تخضه لتستخرج ما فيه من زبدة، و لا تكتفي بتيسير الوصول إليه، و إنما ترصد نفقة لكل طالب دخل مدرستك العظيمة، حتى لا يشعر بذل الحاجة، و حتى لا تدفعه عن غايته كآبة الأيام!!
لقد تعبت فيما جمعت فكنت الحريص عليه من الضياع (من غير أن يخرجها منها).
و عاينت من الغربة، و شظف العيش و قساوة الحياة فكنت الأب البار لرواد مدرستك، بيتك الكريم! فماذا فعل الطاعن الحاسد، و المفتري الحاقد؟!
كانت هذه المأثرة العظيمة خاتمة عمله، فأين و متى كانت وفاة هذا الإمام الكريم؟