شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٥٩
فأما القول في صفات التوبة وشروطها فإنها على ضربين:
أحدهما يعم (1) كل توبة، والاخر يختلف بحسب اختلاف ما يتاب منه، فالأول هو الندم والعزم على ترك المعاودة.
وأما الضرب الثاني، فهو أن ما يتوب منه المكلف إما ان يكون فعلا أو إخلالا بواجب، فإن كان فعلا قبيحا وجب عند الشيخ أبى هاشم رحمه الله ان يندم عليه، لأنه فعل قبيح وأن يكره معاودة مثله لأنه قبيح، وإن كان إخلالا بواجب وجب عليه عنده أن يندم عليه، لأنه إخلال بواجب، وأن يعزم على فعل مثل ما أخل به لأنه واجب، فإن ندم خوف النار فقط، أو شوقا إلى الجنة فقط، أو لان القبيح الذي فعله يضر ببدنه كانت توبته صحيحة (1)، وإن ندم على القبيح لقبحه ولخوف النار، وكان لو انفرد قبحه ندم عليه، فإن توبته تكون صحيحة، وإن كان لو انفرد القبح لم يندم عليه، فإنه لا تكون توبته صحيحة عنده، والخلاف فيه مع الشيخ أبى على وغيره من الشيوخ رحمهم الله، وإنما اختار أبو هاشم هذا القول لان التوبة تجرى مجرى الاعتذار بيننا، ومعلوم أن الواحد منا لو أساء إلى غيره ثم ندم على إساءته إليه واعتذر منها خوفا من معاقبته له عليها، أو من معاقبة السلطان حتى لو أمن العقوبة، لما اعتذر ولا ندم، بل كان يواصل الإساءة، فإنه لا يسقط ذمه، فكذلك التوبة خوف النار لا لقبح الفعل.
وقد نقل قاضي القضاة هذا المذهب عن أمير المؤمنين عليه السلام والحسن البصري وعلي بن موسى الرضا والقاسم بن إبراهيم الزينبي.
قال أصحابنا: وللتوبة شروط أخر تختلف بحسب اختلاف المعاصي، وذلك إن

(1) د: (يغمر).
(2) في ب: (توبة كانت صحيحة).. وصوابه من: د، ا.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست