وهم لها كارهون، فلما رأوا أنه لا يعز في الدين إلا الأتقياء الأبرار، توسموا بسيما الصالحين، ليظن المسلمون بهم خيرا، فما زالوا بذلك حتى شركوهم في أماناتهم، وقالوا: حسابهم على الله، فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين، وقد منيت بأولئك وبأبنائهم وأشباههم، والله ما زادهم طول العمر إلا غيا، ولا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا، فجاهدهم ولا ترض دنية، ولا تقبل خسفا (١)، فإن عليا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب، وإنهم يعلمون أنه أولى بالامر أن حكموا بالعدل، فلما حكموا بالهوى، رجع إلى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله، ولا تخرجن من حق أنت أولى به، حتى يحول الموت دون ذلك. والسلام.
قال المدائني: وكتب الحسن عليه السلام إلى معاوية:
من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين، فأظهر به الحق، وقمع به الشرك، وأعز به العرب عامة، وشرف به قريشا خاصة، فقال: ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ (2)، فلما توفاه الله تنازعت العرب في الامر بعده، فقالت قريش: نحن عشيرته وأولياؤه، فلا تنازعونا سلطانه، فعرفت العرب لقريش ذلك، وجاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب، فهيهات!
ما أنصفتنا قريش وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين، وسابقة في الاسلام، ولا غرو (3) إلا منازعته إيانا الامر بغير حق في الدنيا معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، فالله الموعد، نسأل الله ألا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده في الآخرة. إن عليا لما توفاه الله ولاني المسلمون الامر بعده، فاتق الله يا معاوية، وانظر لامة محمد