قال: ثم قال للحارث وجندب: ارجعا فليس بيني وبينكم إلا السيف، فرجعا وأقبل إلى العراق في ستين ألفا، واستخلف على الشام الضحاك بن قيس الفهري والحسن مقيم بالكوفة، لم يشخص حتى بلغه أن معاوية قد عبر جسر منبج، فوجه حجر بن عدي يأمر العمال بالاحتراس، ويذب الناس فسارعوا فعقد لقيس بن سعد بن عبادة على اثنى عشر ألفا، فنزل دير عبد الرحمن، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، وأمر قيس بن سعد بالمسير، وودعه وأوصاه، فأخذ على الفرات وقرى الفلوجة، ثم إلى مسكن. و ارتحل الحسن عليه السلام متوجها نحو المدائن، فأتى ساباط فأقام بها أياما، فلما أراد أن يرحل إلى المدائن قام فخطب الناس، فقال: أيها الناس، إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإني والله ما أصبحت محتملا على أحد من هذه الأمة ضغينة في شرق ولا غرب، ولما تكرهون في الجماعة والألفة والامن، وصلاح ذات البين خير مما تحبون في الفرقة، والخوف والتباغض والعداوة، وإن عليا أبى كان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرؤوس تندر (1) عن كواهلها كالحنظل. ثم نزل.
فقال الناس: ما قال هذا القول إلا وهو خالع نفسه ومسلم الامر لمعاوية فثاروا به فقطعوا كلامه، وانتهبوا متاعه، وانتزعوا مطرفا كان عليه، وأخذوا جارية كانت معه، واختلف الناس فصارت طائفة معه، وأكثرهم عليه، فقال: اللهم أنت المستعان، وأمر بالرحيل، فارتحل الناس، وأتاه رجل بفرس، فركبه وأطاف به بعض أصحابه، فمنعوا الناس عنه وساروا، فقدمه سنان بن الجراح الأسدي إلى مظلم ساباط، فأقام به، فلما دنا منه تقدم إليه يكلمه، وطعنه في فخذه بالمعول (2) طعنة كادت تصل إلى العظم، فغشي عليه وابتدره أصحابه، فسبق إليه عبيد الله الطائي، فصرع سنانا وأخذ ظبيان بن عمارة المعول