لتعلم أن عليا لم يرتب في الدين، ولا يشك في الله ساعة ولا طرفة عين قط، وأيم الله لتنتهين يا بن أم عمرو أو لأنفذن حضنيك بنوافذ أشد من القعضبية (1): فإياك والتهجم علي، فإني من قد عرفت، لست بضعيف الغمزة، ولا هش المشاشة (2)، ولا مرئ المأكلة، وإني من قريش كواسطة القلادة، يعرف حسبي، ولا أدعى لغير أبى، وأنت من تعلم ويعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزاروها، ألأمهم حسبا، وأعظمهم لؤما، فإياك عنى، فإنك رجس، ونحن أهل بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. فأفحم عمرو وانصرف كئيبا.
وروى أبو الحسن المدائني قال: سأل معاوية الحسن بن علي بعد الصلح أن يخطب الناس، فامتنع، فناشده أن يفعل، فوضع له كرسي، فجلس عليه، ثم قال: الحمد لله الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه عمن يشاء. والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديما وحديثا أحسن البلاء، إن شكرتم أو كفرتم. أيها الناس، أن رب علي كان أعلم بعلي حين قبضه إليه، ولقد اختصه بفضل لم تعتادوا مثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات! طالما قلبتم له الأمور حتى أعلاه الله عليكم وهو صاحبكم، وعدوكم في بدر وأخواتها، جرعكم رنقا، وسقاكم علقا، وأذل رقابكم، وأشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه. وأيم الله لا ترى أمة محمد خفضا ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجه الله إليكم فتنة لن تصدروا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم، فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر من سوء دعتكم، وحيف حكمكم. ثم قال: يا أهل الكوفة لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله، صائب