عصى في الأرض لا من عثمان، بل من ولاته وأمرائه وأهله، وذهب بينهم بحق الله وضرب الجور سرادقه بولايتهم، وأمرهم على البر والفاجر، والمقيم والظاعن، فشاع المنكر، وفقد المعروف. يبقى (1) أن يقال: هب أن الامر كما تأولت فهؤلاء الذين غضبوا لله إلى ماذا آل أمرهم؟ أليس الامر آل (2) إلى أنهم قطعوا المسافة من مصر إلى المدينة فقتلوا عثمان! فلا تعدو حالهم أمرين، إلا أن يكونوا أطاعوا الله بقتله فيكون عثمان عاصيا مستحقا للقتل أو يكونوا أسخطوا الله تعالى بقتله فعثمان إذا على حق، وهم الفساق العصاة فكيف يجوز أن يبجلهم أو يخاطبهم خطاب الصالحين! يمكن أن يجاب عن ذلك بأنهم غضبوا لله، وجاءوا من مصر وأنكروا على عثمان تأميره الامراء الفساق، وحصروه في داره طلبا أن يدفع إليهم مروان ليحبسوه، أو يؤدبوه على ما كتبه في أمرهم فلما حصر طمع فيه مبغضوه وأعداؤه من أهل المدينة وغيرها، وصار معظم الناس إلبا عليه، وقل عدد المصريين بالنسبة إلى ما اجتمع من الناس على حصره ومطالبته بخلع نفسه، وتسليم مروان وغيره من بنى أمية إليهم، وعزل عماله، والاستبدال بهم، ولم يكونوا حينئذ يطلبون نفسه، ولكن قوما منهم ومن غيرهم تسوروا داره، فرماهم بعض عبيده بالسهام فجرح بعضهم، فقادت الضرورة إلى النزول والإحاطة به، وتسرع إليه واحد منهم فقتله. ثم إن ذلك القاتل فقتل. في الوقت، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم، وشرحناه، فلا يلزم من فسق ذلك القاتل وعصيانه أن يفسق الباقون، لأنهم ما أنكروا إلا المنكر، وأما القتل فلم يقع منهم، لا راموه ولا أرادوه، فجاز أن يقال: إنهم غضبوا لله، وأن يثنى عليهم ويمدحهم ثم وصف الأشتر بما وصفه به، ومثل قوله: (لا ينام أيام الخوف) قولهم:
(لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يضاف) وقال: