أما قوله: (يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته): فالامر كذلك، فإنه لم يكن في مجلسه إلا شتم بني هاشم وقذفهم، والتعرض بذكر الاسلام، والطعن عليه، وإن أظهر الانتماء إليه. وأما طلب عمرو فضله واتباعه أثره اتباع الكلب للأسد فظاهر، ولم يقل: الثعلب، غضا من قدر عمرو، وتشبيها له بما هو أبلغ في الإهانة والاستخفاف.
ثم قال: (ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت)، أي لو قعدت عن نصره ولم تشخص إليه ممالئا به على الحق لوصل إليك من بيت المال قدر كفايتك.
ولقائل أن يقول: إن عمرا ما كان يطلب قدر الكفاية وعلي عليه السلام ما كان يعطيه إلا حقه فقط، ولا يعطيه بلدا ولا طرفا من الأطراف، والذي كان يطلب ملك مصر، لأنه فتحها أيام عمر ووليها برهة، وكانت حسرة في قلبه، وحزازة في صدره، فباع آخرته بها، فالأولى أن يقال: معناه لو أخذت بالحق أدركت ما طلبت من الآخرة.
فإن قلت: إن عمرا لم يكن علي عليه السلام يعتقد أنه من أهل الآخرة فكيف يقول له هذا الكلام؟
قلت: لا خلل ولا زلل في كلامه عليه السلام، لأنه لو أخذ بالحق لكان معتقدا كون علي عليه السلام على الحق باعتقاده صحه نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، وصحة التوحيد، فيصير تقدير الكلام: لو بايعتني معتقدا للزوم بيعتي لك لكنت في ضمن ذلك طالبا الثواب، فكنت تدركه في الآخرة.
ثم قال مهددا لهما، ومتوعدا إياهما: (إن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان)، وأقول لو ظفر بهما لما كان في غالب ظني يقتلهما، إنه كان حليما كريما، ولكن كان يحبسهما ليحسم بحبسهما مادة فسادهما.