أما مهتوك ستره، فإنه كان كثير الهزل والخلاعة، صاحب جلساء وسمار ومعاوية لم يتوقر، ولم يلزم قانون الرياسة إلا منذ خرج على أمير المؤمنين، واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك، موسوما بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه، إلا أنه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها، وعليها جلال الديباج والوشي، وكان حينئذ شابا، وعنده نزق الصبا، وأثر الشبيبة وسكر السلطان والإمرة، ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان في الشام، وأما بعد وفاة أمير المؤمنين واستقرار الامر له فقد اختلف فيه، فقيل: أنه شرب الخمر في ستر، وقيل: إنه لم يشربه ولا خلاف في أنه سمع الغناء وطرب عليه، وأعطى ووصل عليه أيضا.
وروى أبو الفرج الأصفهاني قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية في قدمة قدمها إلى المدينة أيام خلافته: قم بنا إلى هذا الذي قد هدم شرفه، وهتك ستره، عبد الله بن جعفر، نقف على بابه، فنسمع غناء جواريه، فقاما ليلا ومعهما وردان غلام عمرو، ووقفا بباب عبد الله بن جعفر، فاستمعا الغناء وأحس عبد الله بوقوفهما، ففتح الباب، وعزم على معاوية أن يدخل، فدخل، فجلس على سرير عبد الله، فدعا عبد الله له وقدم إليه يسيرا من طعام، فأكل، فلما أنس قال: يا أمير المؤمنين، ألا تأذن لجواريك أن يتممن أصواتهن، فإنك قطعتها عليهن؟ قال: فليقلن، فرفعن أصواتهن، وجعل معاوية يتحرك قليلا قليلا حتى ضرب برجله السرير ضربا شديدا، فقال عمرو: قم أيها الرجل فإن الرجل الذي جئت لتلحاه أو لتعجب من أمرء أحسن حالا منك. فقال: مهلا. فإن الكريم طروب.
* * *