وقال الراوندي: هذه القصة وهذا الهارب جريضا وبعد لأي ما نجا، هو معاوية، قال: وقد قيل: إن معاوية بعث أمويا فهرب على هذه الحال والأول أصح، وهذا عجيب مضحك وددت له ألا يكون شرح هذا الكتاب!
قوله: (فدع عنك قريشا) إلى قوله: (على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله)، هذا الكلام حق، فإن قريشا اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضا له وحسدا وحقدا عليه، فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه وحربه، كما كانت حالهم في ابتداء الاسلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله، لم تخرم حاله من حاله أبدا إلا أن ذاك عصمه الله من القتل، فمات موتا طبيعيا، هذا اغتاله إنسان فقتله.
قوله: (فجزت قريشا عنى الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي)، هذه كلمة تجرى مجرى المثل، تقول لمن يسئ إليك وتدعو عليه: جزتك عنى الجوازي!
يقال جزاه الله بما صنع، وجازاه الله بما صنع! ومصدر الأول جزاء، والثاني مجازاة، وأصل الكلمة أن الجوازي جمع جازيه كالجواري جمع جارية، فكأنه يقول: جزت قريشا عنى بما صنعت لي كل خصلة من نكبة أو شدة أو مصيبة أو جائحة، أي جعل الله هذه الدواهي كلها جزاء قريش بما صنعت بي، وسلطان ابن أمي، يعنى به الخلافة، وابن أمه هو رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم، أم عبد الله وأبى طالب، ولم يقل سلطان ابن أبي، لان غير أبى طالب من الأعمام يشركه في النسب إلى عبد المطلب.
قال الراوندي: الجوازي: جمع جازية، وهي النفس التي تجزى، أي جزاهم وفعل بهم ما يستحقون عساكر لأجلي وفي نيابتي، وكافأهم سرية تنهض إليهم، وهذا إشارة إلى بنى أمية يهلكون من بعده. وهذا تفسير غريب طريف.