عنه تطاير الشعارير (1)، ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جد الجد، ثم طعنه بالحربة في عنقه وهو على فرسه لم يسقط، إلا أنه خار كما يخور الثور، فقال له أصحابه: أبا عامر، والله ما بك بأس، ولو كان هذا الذي بك بعين أحد ما ضره. قال:
واللات والعزى، لو كان الذي بي بأهل المجاز لماتوا كلهم أجمعون، أليس قال: لأقتلنه!
فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى التحق (2) بعظم أصحابه في الشعب.
قال الواقدي: ويقال، إنه تناول الحربة من الزبير بن العوام. قال: ويقال إنه لما تناول الحربة من الزبير حمل أبي على رسول الله صلى الله عليه وآله ليضربه بالسيف، فاستقبله مصعب بن عمير حائلا بنفسه بينهما، وإن مصعبا ضرب بالسيف أبيا في وجهه، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وآله فرجة من بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه هناك، فوقع وهو يخور.
قال الواقدي: وكان عبد الله بن عمر يقول: مات أبي بن خلف ببطن رابغ (3) منصرفهن إلى مكة. قال: فإني لأسير ببطن رابغ بعد ذلك، وقد مضى هوى من الليل إذا نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا أبي بن خلف، فقلت: ألا سحقا! ويقال: إنه مات بسرف (4).