بلغ المسيل، وطئ على جرف فزلت قدمه، فهززت حربتي حتى رضيت منها، فأضرب بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته، وكر عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم يقولون:
أبا عمارة، فلا يجيب، فقلت: قد والله مات الرجل، وذكرت هندا وما لقيت على أبيها وعمها وأخيها، وانكشف عنه أصحابه حين أيقنوا بموته، ولا يروني فأكر عليه فشققت بطنه، فاستخرجت كبده، فجئت بها إلى هند بنت عتبة، فقلت ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلني، فقلت: هذه كبد حمزة: فمضغتها ثم لفظتها، فلا أدري: لم تسغها أو قذرتها، فنزعت ثيابها وحليها فأعطتنيه، ثم قالت: إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير، ثم قالت أرني مصرعه، فأريتها مصرعه، فقطعت مذاكيره وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين (1) ومعضدين وخدمتين، حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضا معها.
قال الواقدي: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن الزهري، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: غزونا الشام في زمن عثمان بن عفان، فمررنا بحمص (2) بعد العصر، فقلنا: وحشى، فقيل لا تقدرون عليه، هو الان يشرب الخمر حتى يصبح، فبتنا من أجله، وإننا لثمانون رجلا، فلما صلينا الصبح جئنا إلى منزله، فإذا شيخ كبير قد طرحت له زربية (3) قدر مجلسه، فقلنا له: أخبرنا عن قتل حمزة وعن قتل مسيلمة، فكره ذلك، وأعرض عنه، فقلنا: ما بتنا هذه الليلة إلا من أجلك. فقال:
إني كنت عبدا لجبير بن مطعم بن عدي، فلما خرج الناس إلى أحد دعاني فقال: قد رأيت مقتل طعيمة بن عدي، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر، فلم تزل نساؤنا في حزن