احفر تكتم (1) بين الفرث والدم، في مبحث الغراب، في قرية النمل، مستقبلة الأنصاب الحمر. فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات، فنحر بقرة في الحزورة، فأفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم، فاحتمل لحمها من مكانها، وأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل، فقام عبد المطلب يحفرها، فجاءته قريش فقالت له: ما هذا الصنع، إنا لم نكن نراك بالجهل، لم تحفر في مسجدنا؟ فقال عبد المطلب: انى لحافر هذا البئر، ومجاهد من صدني عنها، فطفق يحفر هو وابنه الحارث، وليس له يومئذ ولد غيره، فيسفه عليهما الناس من قريش فينازعونهما ويقاتلونهما. وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه وصدقه، واجتهاده في دينهم يومئذ، حتى إذا أتعبه الحفر، واشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم، ثم حفر فأدرك سيوفا دفنت في زمزم حين دفنت، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالت:
يا عبد المطلب، أحذنا (2) مما وجدت. فقال عبد المطلب: بل هذه السيوف لبيت الله، ثم حفر حتى أنبط الماء، فحفرها في القرار، ثم بحرها حتى لا تنزف، ثم بنى عليها حوضا وطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض، فيشرب منه الحاج، ويكسره قوم حسدة له من قريش بالليل، فيصلحه عبد المطلب حين يصبح، فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه، فأري، فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل، ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد، فنادى بالذي أري، ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء، حتى تركوا حوضه ذلك وسقايته، ثم تزوج عبد المطلب النساء، فولد له عشرة رهط، فقال: اللهم إني