ويلك! من هذا؟ قال: هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب. قال فالحقهم فسلهم ما شأنهم وشأنه، فلحقهم أبو لهب فأخبروه الخبر، فرجع إلى أبيه، فأخبره، فقال: ويحك!
ما معك؟ قال: لا والله ما معي شئ، قال: فالحقهم لا أم لك! فأعطهم بيدك، وأطلق الرجل، فلحقهم أبو لهب، فقال: قد عرفتم تجارتي ومالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا، وعشرا من الإبل وفرسا، وهذا ردائي رهن، فقبلوا ذلك منه، وأطلقوا حذافة، فلما أقبل به وقربا من عبد المطلب، سمع عبد المطلب صوت أبي لهب، ولم يسمع صوت حذافة، فصاح به: وأبى إنك لعاص، ارجع لا أم لك! قال يا أبتا هذا الرجل معي، فناداه عبد المطلب: يا حذافة، أسمعني صوتك. قال: ها أنذا بأبي أنت وأمي يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه حتى دخل مكة، فقال حذافة هذا الشعر.
قال الزبير: وحدثني عبد الله بن معاذ، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: أول ما ذكر من عبد المطلب أن قريشا خرجت فارة من الحرم خوفا من أصحاب الفيل، وعبد المطلب يومئذ غلام شاب، فقال: والله لا أخرج من حرم الله أبغي العز في غيره!
فجلس في البيت وأجلت (1) قريش عنه، فقال عبد المطلب:
لا هم إن المرء * يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم * ومحالهم أبدا محالك (2) فلم يزل ثابتا في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه، فرجعت قريش وقد عظم فيهم بصبره (3) وتعظيمه محارم الله عز وجل، فبينا هو على ذلك - وكان أكبر ولده وهو الحارث بن عبد المطلب قد بلغ الحلم - أري عبد المطلب في المنام، فقيل له: احفر زمزم، خبيئة الشيخ الأعظم. فاستيقظ فقال: اللهم بين لي الشيخ، فأري في المنام مرة أخرى: