إلا بهاشم، والله إنه أول من سقى بمكة ماء عذبا، وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب.
قال الزبير: وكانت قريش تجارا لا تعدو تجارتهم مكة إنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم، يتبايعون بها بينهم، ويبيعون من حولهم من العرب، حتى رحل هاشم ابن عبد مناف إلى الشام، فنزل بقيصر، فكان يذبح كل يوم شاة، ويصنع جفنة من ثريد، ويدعو الناس فيأكلون، وكان هاشم من أحسن الناس خلقا وتماما، فذكر لقيصر، وقيل له: هاهنا شاب من قريش يهشم الخبز، ثم يصب عليه المرق، ويفرغ عليه اللحم، ويدعو الناس. قال: وإنما كانت الأعاجم والروم تصنع المرق في الصحاف، ثم تأتدم عليه بالخبز فدعا به قيصر، فلما رآه وكلمه أعجب به، وجعل يرسل إليه فيدخل عليه، فلما رأى مكانه سأله أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر، وأن يكتب لهم كتب الأمان فيما بينهم وبينه، ففعل. فبذلك ارتفع هاشم من قريش. قال الزبير: وكان هاشم يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول: يا معشر قريش، أنتم سادة العرب، أحسنها وجوها وأعظمها أحلاما، وأوسطها أنسابا، وأقربها أرحاما. يا معشر قريش، أنتم جيران بيت الله، أكرمكم بولايته، وخصكم بجواره دون بنى إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ منكم جار من جاره، فأكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد فورب هذه البنية، لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه، ألا وإني مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم تقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم، ولم يدخل فيه حرام، فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله لكرامة زوار بيت الله ومعونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما، ولم تقطع فيه رحم ولم يغتصب. قال: فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها، وتأتي بها إلى هاشم فيضعه في دار الندوة لضيافة الحاج.