قلت: أما أبو حنيفة فإنه يقول: الآية قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة فهي مختصة بها لا تتجاوزها إلى غيرها، كأنه تعالى قال: إنما هي لهم لا لغيرهم، كقولك:
إنما الخلافة لقريش، فيجوز أن تصرف الصدقة إلى الأصناف كلها، ويجوز أن تصرف إلى بعضها، وهو مذهب ابن عباس وحذيفة وجماعة من الصحابة والتابعين. وأما الشافعي فلا يرى صرفها إلا إلى الأصناف المعدودة كلها، وبه قال الزهري وعكرمة.
فإن قلت: فمن الغارم وابن السبيل؟
قلت: الغارمون الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب. وقيل:
هم الذين يحملون الحمالات فدينوا فيها وغرموا، وابن السبيل: المسافر المنقطع عن ماله، فهو - وإن كان غنيا حيث ماله موجود - فقير حيث هو بعيد.
وقد سبق تفسير الفقير والمسكين فيما تقدم.
قوله: " فقد أحل بنفسه الذل والخزي "، أي جعل نفسه محلا لهما، ويروى: " فقد أخل بنفسه " بالخاء المعجمة، ولم يذكر الذل والخزي أي جعل نفسه مخلا، ومعناه جعل نفسه فقيرا، يقال: خل الرجل: إذا افتقر، وأخل به غيره، وبغيره أي جعل غيره فقيرا، وروي: " أحل " بنفسه بالحاء المهملة، ولم يذكر " الذل والخزي ". ومعنى " أحل بنفسه " أباح دمه، والرواية الأولى أصح، لأنه قال بعدها: " وهو في الآخرة أذل وأخزى ".
وخيانة الأمة: مصدر مضاف إلى المفعول به، لان الساعي إذا خان فقد خان الأمة كلها، وكذلك غش الأئمة، مصدر مضاف إلى المفعول أيضا، لان الساعي إذا غش في الصدقة فقد غش الامام.