هكذا يفعلون، يأخذون مال هذا فيعطونه هذا. ويجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء، أي حتى لا يطمع العظماء في جورك في القسم الذي إنما تفعله لهم ولأجلهم، فإن ولاة الجور يطمع العظماء فيهم أن يحيفوا في القسمة في الفئ ويخالفوا ما حده الله تعالى فيها، حفظا لقلوبهم، واستمالة لهم، وهذا التفسير أليق بالخطابة، لان الضمير في " عليهم " في الفقرة الثالثة عائد إلى الضعفاء، فيجب أن يكون الضمير في " لهم " في الفقرة الثانية عائدا إلى العظماء.
قوله: " فإن يعذب فأنتم أظلم " أفعل هاهنا بمعنى الصفة، لا بمعنى التفضيل، وإنما يراد فأنتم الظالمون، كقوله تعالى: ﴿وهو أهون عليه﴾ (1). وكقولهم: الله أكبر.
ثم ذكر حال الزهاد فقال: " أخذوا من الدنيا بنصيب قوي، وجعلت لهم الآخرة، ويروى أن الفضيل بن عياض كان هو ورفيق له في بعض الصحارى، فأكلا كسرة يابسة، واغترفا بأيديهما ماء من بعض الغدران، وقام الفضيل فحط رجليه في الماء، فوجد برده، فالتذ به وبالحال التي هو فيها، فقال لرفيقه: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من العيش واللذة لحسدونا.
وروي: " والمتجر المربح "، فالرابح فاعل من ربح ربحا، يقال: بيع رابح أي يربح فيه، والمربح: اسم فاعل قد عدي ماضيه بالهمزة، كقولك: قام وأقمته.
قوله: " جيران الله غدا في آخرتهم "، ظاهر اللفظ غير مراد، لان البارئ تعالى ليس في مكان وجهة ليكونوا جيرانه، ولكن لما كان الجار يكرم جاره سماهم جيران الله، لإكرامه إياهم، وأيضا فإن الجنة إذا كانت في السماء والعرش هو السماء العليا، كان في الكلام محذوف مقدر، أي جيران عرش الله غدا.