وارتئوا آراءكم، فوالله ما أرى من عدد ولا كراع ولا حلقة (1). فأجمع القوم أمرهم، فبعثوا ضمضم بن عمرو، وكان في العير، وقد كانت قريش مرت به وهو بالساحل، معه بكران، فاستأجروه بعشرين مثقالا، وأمره أبو سفيان أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدع بعيره إذا دخل، ويحول رحله، ويشق قميصه من قبله ودبره، ويصيح الغوث الغوث ويقال إنما بعثوه من تبوك، وكان في العير ثلاثون رجلا من قريش، فيهم عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل.
قال الواقدي: وقد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت قبل مجئ ضمضم بن عمرو رؤيا أفزعتها، وعظمت في صدرها، فأرسلت إلى أخيها العباس، فقالت يا أخي، لقد والله رأيت رؤيا أفزعتني (2)، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم على ما أحدثك منها، رأيت راكبا اقبل على بعير حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته يا آل غدر، انفروا إلى مصارعكم في ثلاث، فصرخ بها ثلاث مرات، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد، والناس يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة، فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس، فصرخ بمثلها ثلاثا، ثم أخذ صخرة من أبى قبيس فأرسلها، فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت في أسفل الجبل أرفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلته منها فلذة (3).
قال الواقدي: وكان عمرو بن العاص يحدث بعد ذلك فيقول لقد رأيت كل هذا، ولقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبى قبيس، ولقد كان ذلك عبرة، ولكن الله لم يرد أن نسلم يومئذ، لكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد.
قلت كان بعض أصحابنا يقول لم يكف عمرا أن يقول رأيت الصخرة في دور مكة عيانا، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطنا على وجه النفاق واستخفافه بعقول المسلمين