شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٩٢
وارتئوا آراءكم، فوالله ما أرى من عدد ولا كراع ولا حلقة (1). فأجمع القوم أمرهم، فبعثوا ضمضم بن عمرو، وكان في العير، وقد كانت قريش مرت به وهو بالساحل، معه بكران، فاستأجروه بعشرين مثقالا، وأمره أبو سفيان أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدع بعيره إذا دخل، ويحول رحله، ويشق قميصه من قبله ودبره، ويصيح الغوث الغوث ويقال إنما بعثوه من تبوك، وكان في العير ثلاثون رجلا من قريش، فيهم عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل.
قال الواقدي: وقد كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت قبل مجئ ضمضم بن عمرو رؤيا أفزعتها، وعظمت في صدرها، فأرسلت إلى أخيها العباس، فقالت يا أخي، لقد والله رأيت رؤيا أفزعتني (2)، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم على ما أحدثك منها، رأيت راكبا اقبل على بعير حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته يا آل غدر، انفروا إلى مصارعكم في ثلاث، فصرخ بها ثلاث مرات، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد، والناس يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة، فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس، فصرخ بمثلها ثلاثا، ثم أخذ صخرة من أبى قبيس فأرسلها، فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت في أسفل الجبل أرفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلته منها فلذة (3).
قال الواقدي: وكان عمرو بن العاص يحدث بعد ذلك فيقول لقد رأيت كل هذا، ولقد رأيت في دارنا فلقة من الصخرة التي انفلقت من أبى قبيس، ولقد كان ذلك عبرة، ولكن الله لم يرد أن نسلم يومئذ، لكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد.
قلت كان بعض أصحابنا يقول لم يكف عمرا أن يقول رأيت الصخرة في دور مكة عيانا، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطنا على وجه النفاق واستخفافه بعقول المسلمين

(1) الحلقة هنا: السلاح.
(2) الواقدي: (أفظعتها).
(3) الفلذة: القطعة من الحجارة.
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213