نقص أخيك فهو غيبة، فقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بالإشارة والايماء، وبالمحاكاة، نحو أن تمشى خلف الأعرج متعارجا، وبالكتاب، فإن القلم أحد اللسانين.
و - ذا ذكر المصنف شخصا في تصنيفه، وهجن كلامه، فهو غيبة، فأما قوله: " قال قوم كذا " فليس بغيبة، لأنه لم يعين شخصا بعينه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما بال أقوام يقولون كذا! "، فكان لا يعين، ويكون مقصودة واحدا بعينه.
وأخبث أنواع الغيبة غيبة القراء المرائين، وذلك نحو أن يذكر عندهم إنسان، فيقول قائلهم: الحمد لله الذي لم يبلنا بدخول أبواب السلطان، والتبذل في طلب الحطام، وقصده أن يفهم الغير عيب ذلك الشخص، فتخرج الغيبة في مخرج الحمد والشكر لله تعالى، فيحصل من ذلك غيبة المسلم، ويحصل منه الرياء، وإظهار التعفف عن الغيبة وهو واقع فيها، وكذلك يقول: لقد ساءني ما يذكر به فلان، نسأل الله أن يعصمه، ويكون كاذبا في دعوى أنه ساءه، وفي إظهار الدعاء له، بل لو قصد الدعاء له لأخفاه في خلوة عقب صلواته، ولو كان قد ساءه لساءه أيضا إظهار ما يكرهه ذلك الانسان.
* * * واعلم أن الاصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب كالغيبة، بل أشد، لأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة، فيندفع فيها حكاية، يستخرج الغيبة منه بذلك، وإذا كان السامع الساكت شريك المغتاب، فما ظنك بالمجتهد في حصول الغيبة، والباعث على الاستزادة منها! وقد روى أن أبا بكر وعمر ذكرا إنسانا عند رسول الله، فقال أحدهما:
إنه لنؤوم، ثم أخرج رسول الله صلى الله عليه وآله خبزا قفارا، فطلبا منه أدما (1) فقال:
قد ائتدمتما، قالا: ما نعلمه، قال: " بلى بما أكلتما من لحم صاحبكما "، فجمعهما في الاثم، وقد