قال: وإن معي لبصيرتي، أي عقلي، ما لبست على الناس أمرهم ولبس الامر على، أي لم يلبسه رسول الله صلى الله عليه وآله على بل أوضحه لي وعرفنيه.
ثم قال: وإنها للفئة الباغية: لام التعريف في " الفئة " تشعر بأن نصا قد كان عنده أنه ستخرج عليه فئة باغية، ولم يعين له وقتها ولا كل صفاتها، بل بعض علاماتها، فلما خرج أصحاب الجمل ورأي تلك العلامات موجودة فيهم، قال: وإنها للفئة الباغية، أي وإن هذه الفئة، أي الفئة التي وعدت بخروجها على، ولولا هذا لقال: " وإنها لفئة باغية "، على التنكير.
ثم ذكر بعض العلامات، ثم قال: إن الامر لواضح، كل هذا يؤكد به عند نفسه وعند غيره أن هذه الجماعة هي تلك الفئة الموعود بخروجها، وقد ذهب الباطل وزاح، وخرس لسانه بعد شغبه.
ثم أقسم ليملأن لهم حوضا هو ماتحه، وهذه كناية عن الحرب والهيجاء وما يتعقبهما من القتل والهلاك، لا يصدرون عنه بري، أي ليس كهذه الحياض الحقيقية التي إذا وردها الظمآن صدر عن ري ونقع غليله، بل لا يصدرون عنه إلا وهم جزر السيوف، ولا يعبون بعده في حسي لأنهم هلكوا، فلا يشربون بعده البارد العذب.
وكان عمرو بن الليث الصفار أمير خراسان أنفذ جيشا لمحاربة إسماعيل بن أحمد الساماني، فانكسر ذلك الجيش وعادوا إلى عمرو بن الليث، فغضب ولقى القواد بكلام غليظ، فقال له بعضهم: أيها الأمير، إنه قد طبخ لك مرجل عظيم، وإنما نلنا منه لهمة (1) يسيرة والباقي مذخور لك، فعلام تتركه! اذهب إليهم فكله. فسكت عمرو ابن الليث عنه ولم يجب.