في حقه ما قيل لو رقى إلى السماء، وعرج في الهواء، وفخر على الملائكة والأنبياء، تعظما وتبجحا، لم يكن ملوما، بل كان بذلك جديرا، فكيف وهو عليه السلام لم يسلك قط مسلم التعظم والتكبر في شئ من أقواله ولا من أفعاله، وكان ألطف البشر خلقا، وأكرمهم طبعا، وأشدهم تواضعا، وأكثرهم احتمالا، وأحسنهم بشرا، وأطلقهم وجها، حتى نسبه من نسبه إلى الدعابة والمزاح، وهما خلقان ينافيان التكبر والاستطالة، وإنما كان يذكر أحيانا ما يذكره من هذا النوع، نفثة مصدور، وشكوى مكروب، وتنفس مهموم، ولا يقصد به إذا ذكره إلا شكر النعمة، وتنبيه الغافل على ما خصه الله به من الفضيلة، فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف، والحض على اعتقاد الحق والصواب في أمره والنهى عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل، فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال: (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون).
* * * الأصل:
منها:
فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا. فليصدق رائد أهله، وليحضر عقله، وليكن من أبناء الآخرة، فإنه منها قدم، وإليها ينقلب، فالناظر بالقلب، العامل بالبصر، يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم له! فإن كان له مضى فيه، وإن كان عليه وقف عنه، فإن العامل بغير علم، كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح