وإني أحذركم ونفسي هذه المنزلة، فلينتفع امرؤ بنفسه، فإنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثم سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهاوي، والضلال في المغاوي، ولا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق، أو تحريف في نطق، أو تخوف من صدق.
فأفق أيها السامع من سكرتك، واستيقظ من غفلتك، واختصر من عجلتك، وأنعم الفكر فيما جاءك على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم مما لا بد منه، ولا محيص عنه. وخالف من خالف ذلك إلى غيره، ودعه وما رضى لنفسه، وضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك، فإن عليه ممرك، وكما تدين تدان، وكما تزرع تحصد، وما قدمت اليوم تقدم عليه غدا، فامهد لقدمك، وقدم ليومك.
فالحذر الحذر أيها المستمع! والجد الجد، أيها الغافل، (ولا ينبئك مثل خبير (1)).
* * * الشرح:
فاعل " كشف " هو الله تعالى، وقد كان سبق ذكره في الكلام، وإنما كشف لهم عن جزاء معصيتهم بما أراهم حال الموت من دلائل الشقوة والعذاب، فقد ورد في الخبر الصحيح أنه " لا يموت ميت حتى يرى مقره من جنة أو نار ".
ولما انفتحت أعين أبصارهم عند مفارقة الدنيا، سمى ذلك عليه السلام استخراجا لهم من جلابيب غفلتهم، كأنهم كانوا من الغفلة والذهول في لباس نزع عنهم.
قال: " استقبلوا مدبرا "، أي استقبلوا أمرا كان في ظنهم واعتقادهم مدبرا عنهم، وهو الشقاء والعذاب. " واستدبروا مقبلا " تركوا وراء ظهورهم ما كانوا خولوه من الأولاد والأموال والنعم وفى قوة هذا الكلام أن يقول: عرفوا ما أنكروه وأنكروا ما عرفوه: