قوله: " تضيع في غبارها الوحدان "، جمع واحد، مثل شاب وشبان، وراع ورعيان، ويجوز " الأحدان " بالهمز، أي من كان يسير وحده فإنه يهلك بالكلية في غبارها، وأما إذا كانوا جماعة ركبانا فإنهم يضلون، وهو أقرب من الهلاك، ويجوز أن يكون الوحدان جمع أوحد، يقال: فلان أوحد الدهر، وهؤلاء الوحدان أو الأحدان، مثل أسود وسودان، أي يضل في هذه الفتنة، وضلالها الذي كنى عنه بالغبار فضلاء، عصرها وعلماء عهدها، لغموض الشبهة واستيلاء الباطل على أهل وقتها. ويكون معنى الفقرة الثانية على هذا التفسير أن الراكب الذي هو بمظنة النجاة لا ينجو. والركبان: جمع راكب، ولا يكون إلا ذا بعير.
قوله: ترد بمر القضاء، أي بالبوار والهلاك والاستئصال.
فإن قلت: أيجوز أن يقال للفتنة القبيحة: إنها من القضاء؟
قلت: نعم، لا بمعنى الخلق بل بمعنى الاعلام، كما قال سبحانه: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن﴾ (1) أي أعلمناهم، أي ترد هذه الفتنة بإعلام الله تعالى لمن يشاء إعلامه من المكلفين أنها أم اللهيم (2) التي لا تبقى ولا تذر، فذلك الاعلام هو المر الذي لا يبلغ الوصف مرارته، لان الاخبار عن حلول المكروه الذي لا مدفع عنه ولا محيص منه، مر جدا.
قوله: " وتحلب عبيط الدماء "، أي هذه الفتنة يحلبها الحالب دما عبيطا، وهذه كناية عن الحرب، وقد قال عليه السلام في موضع آخر: " أما والله ليحلبنها دما، وليتبعنها ندما " والعبيط: الدم الطري الخالص.
وثلمت الاناء، أثلمه بالكسر. والأكياس: العقلاء.