ثم ذكر عليه السلام أن القائد يتبرأ من المقود، أي يتبرأ المتبوع من التابع فيكون كل من الفريقين تبرأ من صاحبه، كما قال سبحانه: ﴿ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا﴾ (1).
ويتزايلون: يتفرقون.
قوله: " ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف "، طالعها: مقدماتها وأوائلها، وسماها " رجوفا "، لشدة الاضطراب فيها.
فإن قلت: ألم تكن قلت: إن قوله: " عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع " يعنى به يوم القيامة فكيف يقول: " ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة " وهذا إنما يكون قبل القيامة!
قلت: إنه لما ذكر تنافس الناس على الجيفة المنتنة وهي الدنيا، أراد أن يقول بعده بلا فصل: " ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف "، لكنه لما تعجب من تزاحم الناس وتكالبهم على تلك الجيفة، أراد أن يؤكد ذلك التعجب، فأتى بجملة معترضة بين الكلامين، تؤكد معنى تعجبه منهم، فقال: إنهم على ما قد ذكرنا من تكالبهم عليها، عن قليل يتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضا، وذلك أدعى لهم - لو كانوا يعقلون - إلى أن يتركوا التكالب والتهارش على هذه الجيفة الخسيسة. ثم عاد إلى نظام الكلام، فقال: " ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف "، ومثل هذا الاعتراض في الكلام كثير، وخصوصا في القرآن، وقد ذكرنا منه فيما تقدم طرفا.
قوله: " والقاصمة الزحوف " القاصمة: الكاسرة، وسماها زحوفا تشبيها لمشيها قدما بمشي الدبى الذي يهلك الزروع ويبيدها، والزحف: السير على تؤدة كسير الجيوش بعضها إلى بعض.