العارفين الذين تقدم ذكرهم في الفصل السابق ذكره، يقول: حتى إذا ألقى هؤلاء السلام إلى هذه الفئة عجزا عن القتال، واستراحوا من منابذتهم بدخولهم في ضلالتهم وفتنتهم، أما تقية (1) منهم، أو لشبهة دخلت عليهم، أنهض الله تعالى هؤلاء العارفين الشجعان الذين خصهم بحكمته، وأطلعهم على أسرار ملكوته فنهضوا، ولم يمنوا على الله تعالى بصبرهم، ولم يستعظموا أن يبذلوا في الحق نفوسهم، قال: حتى إذا وافق قضاء الله تعالى وقدره كي ينهض هؤلاء قضاء الله وقدره في انقضاء مدة تلك الفئة، وارتفاع ما كان شمل الخلق من البلاء بملكها وإمرتها، حمل هؤلاء العارفون بصائرهم على أسيافهم، وهذا معنى لطيف، يعنى أنهم أظهروا بصائرهم وعقائدهم وقلوبهم للناس، وكشفوها وجردوها من أجفانها، مع تجريد السيوف من أجفانها، فكأنها شئ محمول على السيوف يبصره من يبصر السيوف، ولا ريب أن السيوف المجردة من أجلى الأجسام للأبصار، فكذلك ما يكون محمولا عليها، ومن الناس من فسر هذا الكلام، فقال: أراد بالبصائر جمع بصيرة، وهو الدم، فكأنه أراد طلبوا ثأرهم والدماء التي سفكتها هذه الفئة، وكأن تلك الدماء المطلوب ثأرها محمولة على أسيافهم التي جردوها للحرب، وهذا اللفظ قد قاله بعض الشعراء المتقدمين بعينه:
راحوا بصائرهم على أكتافهم * وبصيرتي يعدو بها عتد وأي (2) وفسره أبو عمرو بن العلاء، فقال: يريد أنهم تركوا دم أبيهم وجعلوه خلفهم، أي لم يثأروا به، وانا طلبت ثأري. وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى يقول في هذا البيت:
البصيرة: الترس أو الدرع، ويرويه: " حملوا بصائرهم ".
* * *