كذلك أياما، ثم أتى به فوقف بين يديه، فقال أبو ذر: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه، ورأيت أبا بكر وعمر! هل هديك كهديهم! أما إنك لتبطش بي بطش جبار. فقال عثمان: أخرج عنا من بلادنا، فقال أبو ذر، ما أبغض إلى جوارك!
فإلى أين أخرج؟
قال: حيث شئت قال: أخرج إلى الشام أرض الجهاد؟
قال: إنما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها، أفأردك إليها! قال: أفأخرج إلى العراق؟
قال: لا، إنك إن تخرج إليها تقدم على قوم أولى شبه وطعن على الأئمة والولاة، قال:
أفأخرج إلى مصر؟ قال لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: إلى البادية قال أبو ذر:
أصير بعد الهجرة أعرابيا! قال: نعم، قال أبو ذر: فأخرج إلى بادية نجد؟ قال عثمان: بل إلى الشرق الأبعد، أقصى فأقصى، أمض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة.
فخرج إليها.
* * * وروى الواقدي أيضا عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة، أن أبا الأسود الدؤلي، قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة، فجئته فقلت له: ألا تخبرني، أخرجت من المدينة طائعا، أم أخرجت كرها؟ فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغنى عنهم، فأخرجت إلى المدينة، فقلت: دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى. ثم قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه، إذ مر بي عليه السلام فضربني برجله: وقال: لا أراك نائما في المسجد، فقلت: بأبي أنت وأمي! غلبتني عيني، فنمت فيه. قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟ قلت: إذا ألحق بالشام، فإنها أرض مقدسة، وأرض الجهاد.
قال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: أرجع إلى المسجد، قال: فكيف تصنع