والله إني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيا، وصادقا مكذبا، وأثره بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه.
قال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة.
* * * وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب " السفيانية " عن جلام بن جندل الغفاري، قال: كنت غلاما لمعاوية على قنسرين والعواصم، في خلافة عثمان، فجئت إليه يوما أسأله عن حال عملي، إذ سمعت صارخا على باب داره يقول: أتتكم القطار بحمل النار اللهم العن الامرين بالمعروف، التاركين له. اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له. فازبأر معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ؟ فقلت: اللهم لا. قال: من عذيري من جندب بن جنادة! يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت! ثم قال: أدخلوه على، فجئ بأبي ذر بين قوم يقودونه، حتى وقف بين يديه، فقال له معاوية: يا عدو الله وعدو رسوله! تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع! أما إني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك، ولكني أستأذن فيك.
قال جلام: وكنت أحب أن أرى أبا ذر، لأنه رجل من قومي، فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب (1) من الرجال، خفيف العارضين، في ظهره جنأ (2)، فأقبل على معاوية وقال: ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه، ودعا عليك مرات ألا تشبع.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: " إذا ولى الأمة الأعين الواسع البلعوم، الذي يأكل ولا يشبع، فلتأخذ الأمة حذرها منه ". فقال معاوية: ما أنا ذاك