قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل، أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه، وسمعته يقول وقد مررت به " اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب "، وسمعته صلى الله عليه يقول: " است معاوية في النار ". فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فيه.
فكتب عثمان إلى معاوية: أن احمل جندبا إلى علي أغلظ مركب وأوعره. فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف (1) ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.
فلما قدم بعث إليه عثمان: الحق بأي أرض شئت قال بمكة؟ قال: لا، قال:
بيت المقدس؟ قال: لا، قال: بأحد المصرين؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى ربذة، فسيرة إليها فلم يزل بها حتى مات.
وفى رواية الواقدي، أن أبا ذر لما دخل على عثمان، قال له:
لا أنعم الله بقين عينا * نعم ولا لقاه يوما زينا * تحية السخط إذا التقينا * فقال أبو ذر: ما عرفت اسمي " قينا " قط. وفى رواية أخرى: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب! فقال أبو ذر: أنا جندب، وسماني رسول الله صلى الله عليه " عبد الله "، فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماني به على اسمي. فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول: يد الله مغلولة، وإن الله فقير ونحن أغنياء! فقال أبو ذر: لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه، يقول:
" إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا، جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا ".
فقال عثمان لمن حضر: أسمعتموها من رسول الله؟ قالوا: لا، قال عثمان: ويلك يا أبا ذر!
أتكذب على رسول الله! فقال أبو ذر لمن حضر: أما تدرون أنى صدقت! قالوا لا والله