شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٥٨
قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل، أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه، وسمعته يقول وقد مررت به " اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب "، وسمعته صلى الله عليه يقول: " است معاوية في النار ". فضحك معاوية وأمر بحبسه وكتب إلى عثمان فيه.
فكتب عثمان إلى معاوية: أن احمل جندبا إلى علي أغلظ مركب وأوعره. فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمله على شارف (1) ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.
فلما قدم بعث إليه عثمان: الحق بأي أرض شئت قال بمكة؟ قال: لا، قال:
بيت المقدس؟ قال: لا، قال: بأحد المصرين؟ قال: لا، ولكني مسيرك إلى ربذة، فسيرة إليها فلم يزل بها حتى مات.
وفى رواية الواقدي، أن أبا ذر لما دخل على عثمان، قال له:
لا أنعم الله بقين عينا * نعم ولا لقاه يوما زينا * تحية السخط إذا التقينا * فقال أبو ذر: ما عرفت اسمي " قينا " قط. وفى رواية أخرى: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب! فقال أبو ذر: أنا جندب، وسماني رسول الله صلى الله عليه " عبد الله "، فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماني به على اسمي. فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول: يد الله مغلولة، وإن الله فقير ونحن أغنياء! فقال أبو ذر: لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه، يقول:
" إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا، جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا ".
فقال عثمان لمن حضر: أسمعتموها من رسول الله؟ قالوا: لا، قال عثمان: ويلك يا أبا ذر!
أتكذب على رسول الله! فقال أبو ذر لمن حضر: أما تدرون أنى صدقت! قالوا لا والله

(1) الشارف: الناقة المسنة.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303