شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٦٥
فإن قلت: أي: وجه لادخال هذا الكلام في غضون مقصده في هذه الخطبة، فإنها مبنية على ذم أصحابه، وتقرير قاعدة الإمامة، وأنه لا يجوز أن يليها الفاسق، وأنه لابد للامام من صفات مخصوصة، عددها عليه السلام، وكل هذا لا تعلق لسبقه إلى الاسلام!
قلت: بل الكلام متعلق بعضه ببعض من وجهين: أحدهما أنه لما قال: اللهم إنك تعلم أنى ما سللت السيف طلبا للملك، أراد أن يؤكد هذا القول في نفوس السامعين، فقال: أنا أول من أسلم، ولم يكن الاسلام حينئذ معروفا أصلا ومن يكون إسلامه هكذا لا يكون قد قصد بإسلامه إلا وجه الله تعالى والقربة إليه، فمن تكون هذه حاله في مبدأ أمره، كيف يخطر ببال عاقل أنه يطلب الدنيا وحطامها، ويجرد عليها السيف في آخر عمره، ووقت انقضاء مده عمره!
والوجه الثاني أنه إذا كان أول السابقين، وجب أن يكون أقرب المقربين، لأنه تعالى قال: ﴿والسابقون السابقون أولئك المقربون﴾ (1)، ألا ترى أنه إذا قال الملك:
" العالمون العاملون هم المختصون بنا "، وجب أن يكون أعلمهم أشدهم به اختصاصا، وإذا كان عليه السلام أقرب المقربين، وجب أن تنتفى عنه الموانع الستة، التي جعل كل واحد منها صادا عن الإمامة، وقاطعا عن استحقاقها، وهي البخل والجهل والجفاء، أي الغلظة والعصبية في دولته، أي تقديم قوم على قوم، والارتشاء في الحكم والتعطيل للسنة، وإذا انتفت عنه هذه الموانع الستة تعين أن يكون هو الامام لان شروط الإمامة موجودة فيه بالاتفاق، فإذا كانت موانعها عنه منتفية ولم يحصل لغيره اجتماع الشروط، وارتفاع الموانع، وجب أن يكون هو الامام، لأنه لا يجوز خلو العصر من إمام سواء كانت هذه القضية عقلية أو سمعية.

(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303