فإن قلت: أي: وجه لادخال هذا الكلام في غضون مقصده في هذه الخطبة، فإنها مبنية على ذم أصحابه، وتقرير قاعدة الإمامة، وأنه لا يجوز أن يليها الفاسق، وأنه لابد للامام من صفات مخصوصة، عددها عليه السلام، وكل هذا لا تعلق لسبقه إلى الاسلام!
قلت: بل الكلام متعلق بعضه ببعض من وجهين: أحدهما أنه لما قال: اللهم إنك تعلم أنى ما سللت السيف طلبا للملك، أراد أن يؤكد هذا القول في نفوس السامعين، فقال: أنا أول من أسلم، ولم يكن الاسلام حينئذ معروفا أصلا ومن يكون إسلامه هكذا لا يكون قد قصد بإسلامه إلا وجه الله تعالى والقربة إليه، فمن تكون هذه حاله في مبدأ أمره، كيف يخطر ببال عاقل أنه يطلب الدنيا وحطامها، ويجرد عليها السيف في آخر عمره، ووقت انقضاء مده عمره!
والوجه الثاني أنه إذا كان أول السابقين، وجب أن يكون أقرب المقربين، لأنه تعالى قال: ﴿والسابقون السابقون أولئك المقربون﴾ (1)، ألا ترى أنه إذا قال الملك:
" العالمون العاملون هم المختصون بنا "، وجب أن يكون أعلمهم أشدهم به اختصاصا، وإذا كان عليه السلام أقرب المقربين، وجب أن تنتفى عنه الموانع الستة، التي جعل كل واحد منها صادا عن الإمامة، وقاطعا عن استحقاقها، وهي البخل والجهل والجفاء، أي الغلظة والعصبية في دولته، أي تقديم قوم على قوم، والارتشاء في الحكم والتعطيل للسنة، وإذا انتفت عنه هذه الموانع الستة تعين أن يكون هو الامام لان شروط الإمامة موجودة فيه بالاتفاق، فإذا كانت موانعها عنه منتفية ولم يحصل لغيره اجتماع الشروط، وارتفاع الموانع، وجب أن يكون هو الامام، لأنه لا يجوز خلو العصر من إمام سواء كانت هذه القضية عقلية أو سمعية.