الأصل:
منها:
فإنه والله الجد لا اللعب، والحق لا الكذب، وما هو إلا الموت أسمع داعيه، وأعجل حاديه.
فلا يغرنك سواد الناس من نفسك، وقد رأيت من كان قبلك ممن جمع المال وحذر الإقلال، وأمن العواقب، طول أمل واستبعاد أجل، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه، وأخذه من مأمنه، محمولا على أعواد المنايا، يتعاطى به الرجال الرجال، حملا على المناكب، وإمساكا بالأنامل.
أما رأيتم الذين يأملون بعيدا، ويبنون مشيدا، ويجمعون كثيرا! كيف أصبحت بيوتهم قبورا، وما جمعوا بورا، وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقوم آخرين، لا في حسنة يزيدون، ولا من سيئة يستعتبون.
فمن أشعر التقوى قلبه، برز مهله وفاز عمله، فاهتبلوا هبلها، واعملوا للجنة عملها، فإن الدنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا، لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار.
فكونوا منها على أوفاز، وقربوا الظهور للزيال.
* * * الشرح:
قوله عليه السلام: " فإنه والله الجد "، الضمير للامر والشأن الذي خاض معهم في ذكره ووعظهم بنزوله. ثم أوضحه بعد إجماله، فقال: إنه الموت الذي دعا فأسمع، وحدا فأعجل.