والله كل يوم هو في شأن وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك، فما أغناك عما منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم! فأسال الله الصبر والنصر، واستعذبه من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدين والكرم وإن الجشع لا يقدم رزقا، وجزع لا يؤخر أجلا.
ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا، فقال: لا آنس الله من أوحشك، ولا آمن من أخافك، أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك، ولو رضيت أعمالهم لأحبوك، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا، والجزع من الموت، مالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه، والملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم، ومنحهم القوم دنياهم، فحسروا الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين!
فبكى أبو ذر رحمه الله، وكان شيخا كبيرا، وقال: رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة!
إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله، ما لي بالمدنية سكن ولا شجن غيركم، إني ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين، فأفسد الناس عليهما، فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله، والله ما أريد إلا الله صاحبا، وما أخشى مع الله وحشة.
ورجع القوم إلى المدينة، فجاء علي عليه السلام إلى عثمان، فقال له: ما حملك على رد رسولي، وتصغير أمري! فقال علي عليه السلام: أما رسولك، فأراد أن يرد وجهي فرددته، وأما أمرك فلم أصغره.
قال: أما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر! قال: أو كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه! قال عثمان: أقد مروان من نفسك، قال: مم ذا؟ قال: من شتمه وجذب راحلته، قال أما راحلته فراحلتي بها، وأما شتمه إياي، فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها، لا أكذب عليك.