قالا: نعم، قال فما دعاكما بعد إلى ما أرى، قالا: أعطيناك بيعتنا على ألا تقضى الأمور لا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القسم وتقطع الامر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.
فقال: لقد نقمتما يسيرا، وأرجأتما كثيرا، فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني، أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه؟ قالا: معاذ الله! قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشئ؟ قالا: معاذ الله! قال: أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا: معاذ الله! قال: فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا: خلافك عمر بن الخطاب في القسم، أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا (1) عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسرا قهرا، ممن لا يرى الاسلام إلا كرها. فقال: فأما ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها، فخفت أن أردكم فتختلف الأمة، فلما أفضت إلى نظرت في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه وأتبعته، ولم أحتج إلى آرائكما فيه، ولا رأى غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه، وأما القسم والأسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء! قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه وآله يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأما قولكما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا، سواء بيننا وبين غيرنا، فقديما سبق إلى الاسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله في القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله