قلت: أما الصلاة فلان تاركها يقتل، وإن لم يجحد وجوبها، وغيرها ليس كذلك، وإنما قدمت الزكاة على الصوم، لان الله تعالى قرنها بالصلاة في كثير من الكتاب العزيز، ولم يذكر صوم شهر رمضان إلا في موضع واحد، وكثرة تأكيد الشئ وذكره دليل على أنه أهم، وإنما قدم الصوم على الحج، لأنه يتكرر وجوبه، والحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، فدل على أنه أهم عند الشارع من الحج.
ثم قال عليه السلام: " وصدقه السر "، فخرج من الواجبات إلى النوافل. قال:
" فإنها تكفر الخطيئة "، والتكفير هو إسقاط عقاب مستحق بثواب أزيد منه أو توبة، وأصله في اللغة الستر والتغطية، ومنه الكافر، لأنه يغطى الحق، وسمى البحر كافرا لتغطيته ما تحته، وسمى الفلاح كافرا لأنه يغطى الحب في الأرض المحروثة.
ثم قال: " وصدقة العلانية "، فإنها تدفع ميتة السوء كالغرق والهدم وغيرها.
قال: " وصنائع المعروف، فإنها تقى مصارع الهوان "، كأسر الروم للمسلم، أو كأخذ الظلمة لغير المستحق للاخذ.
ثم شرع في وصايا أخر عددها. والهدى: السيرة، وفي الحديث. " واهدوا هدى عمار " يقال: هدى فلان هدى فلان، أي سار سيرته.
وسمى القرآن حديثا اتباعا لقول الله تعالى ﴿نزل أحسن الحديث كتابا متشابها﴾ (1) واستدل أصحابنا بالآية على أنه محدث، لأنه لا فرق بين حديث ومحدث في اللغة. فإن قالوا. إنما أراد أحسن الكلام، قلنا: لعمري إنه كذلك، ولكنه لا يطلق على الكلام القديم لفظة حديث، لأنه إنما سمى الكلام والمحاورة والمخاطبة حديثا، لأنه أمر يتجدد حالا فحالا، والقديم ليس كذلك.