الأجداث فلا يدعون ضيفانا. وجعل لهم من الصفيح أجنان، ومن التراب أكفان، ومن الرفات جيران. فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، ولا يبالون مندبة. إن جيدوا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، جميع وهم آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متدانون لا يتزاورون، وقريبون لا يتقاربون.
حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخشى فجعهم، ولا يرجى دفعهم، استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، فجاءوها كما فارقوها، حفاة عراة، قد ظعنوا عنها بأعمالهم، إلى الحياة الدائمة، والدار الباقية، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين﴾ (1).
* * * الشرح:
خضرة، أي ناضرة، وهذه اللفظة من الألفاظ النبوية، قال النبي صلى الله عليه وآله:
" إن الدنيا حلوة، خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون! ".
وحفت بالشهوات، كأن الشهوات مستديرة حولها، كما يحف الهودج بالثياب، وحفوا حوله يحفون حفا: أطافوا به، قال الله تعالى: (وترى الملائكة حافين من حول العرش) (2).
قوله: " وتحببت بالعاجلة "، أي تحببت إلى الناس بكونها لذة عاجلة، والنفوس مغرمة مولعة بحب العاجل، فحذف الجار والمجرور القائم مقام المفعول.
قوله: " وراقت بالقليل "، أي أعجبت أهلها، وإنما أعجبتهم بأمر قليل ليس بدائم.