أولها الايمان بالله وبرسوله، ويعنى بالايمان هاهنا مجرد التصديق بالقلب، مع قطع النظر عما عدا ذلك من التلفظ بالشهادة، ومن الأعمال الواجبة، وترك القبائح. وقد ذهب إلى أن ماهية الايمان هو مجرد التصديق القلبي جماعة من المتكلمين، وهو وإن لم يكن مذهب أصحابنا، فإن لهم أن يقولوا: إن أمير المؤمنين عليه السلام جاء بهذا اللفظ على أصل الوضع اللغوي، لان الايمان في أصل اللغة هو التصديق، قال سبحانه وتعالى: ﴿وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين﴾ (1) أي لست بمصدق لنا لا إن كنا صادقين، ولا إن كنا كاذبين. ومجيئه عليه السلام به على أصل الوضع اللغوي لا يبطل مذهبنا في مسمى الايمان، لأنا نذهب إلى أن الشرع استجد لهذه اللفظة مسمى ثانيا، كما نذهب إليه في الصلاة والزكاة وغيرهما، فلا منافاة إذا بين مذهبنا وبين ما أطلقه عليه السلام.
وثانيها الجهاد في سبيل الله، وإنما قدمه على التلفظ بكلمتي الشهادة، لأنه من باب دفع الضرر عن النفس، ودفع الضرر عن النفس مقدم على سائر الأعمال المتعلقة بالجوارح، والتلفظ بكلمتي الشهادة من أعمال الجوارح، وإنما أخره عن الايمان، لان الايمان من أفعال القلوب، فهو خارج عما يتقدم عليه، ودفع الضرر من الافعال المختصة بالجوارح، وأيضا فإن الايمان أصل الجهاد، لأنه ما لم يعلم الانسان على ماذا يجاهد، لا يجاهد، وإنما جعله ذروة الاسلام، أي أعلاه، لأنه ما لم تتحصن دار الاسلام بالجهاد لا يتمكن المسلمون من القيام بوظائف الاسلام، فكان إذا من الاسلام بمنزلة الرأس من البدن.
وثالثها كلمة الاخلاص، يعنى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، قال: فإنها الفطرة، يعنى هي التي فطر الناس عليها، والأصل الكلمة الأولى، لأنها التوحيد، وعليها فطر البشر كلهم، والكلمة الثانية تبع لها فأجريت مجراها، وإنما أخرت