فالمذكورون منهم بفصاحة إنما كان منتهى فصاحة أحدهم كلمات لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة، إما في موعظة تتضمن ذكر الموت أو ذم الدنيا، أو يتعلق بحرب وقتال، من ترغيب أو ترهيب، فأما الكلام في الملائكة وصفاتها وصورها وعباداتها، وتسبيحها ومعرفتها بخالقها وحبها له، وولهها إليه، وما جرى مجرى ذلك مما تضمنه هذا الفصل على طوله، فإنه لم يكن معروفا عندهم على هذا التفصيل، نعم ربما علموه جملة غير مقسمة هذا التقسيم، ولا مرتبة هذا الترتيب، بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم، وأما من عنده علم من هذه المادة، كعبد الله بن سلام وأمية بن أبي الصلت وغيرهم، فلم تكن لهم هذه العبارة، ولا قدروا على هذه الفصاحة، فثبت أن هذه الأمور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة، لم تحصل إلا لعلى وحده. وأقسم أن هذا الكلام إذا تأمله اللبيب اقشعر جلده، ورجف قلبه، واستشعر عظمة الله العظيم في روعه وخلده، وهام نحوه وغلب الوجد عليه، وكاد أن يخرج من مسكه شوقا، وأن يفارق هيكله صبابة ووجدا.
ثم نعود إلى التفسير فنقول:
الصفيح الأعلى: سطح الفلك الأعظم، ويقال لوجه كل شئ عريض: صفيح وصفحة.
والفروج: الأماكن الخالية. والفجاج جمع فج، والفج، الطريق الواسع بين جبلين أو حائطين. وأجوائها جمع جو، وهو ما اتسع من الأودية، ويقال لما بين السماء والأرض جو ويروى: (أجوابها)، جمع جوبة، وهي الفرجة في السحاب وغيره ويروى. (أجوازها) جمع جوز، وهو وسط الشئ. والفجوات: جمع فجوة، وهي الفرجة بين الشيئين، تقول منه:
تفاجى الشئ، إذا صار له فجوة، ومنه الفجاء، وهو تباعد ما بين عرقوبي البعير.
والزجل: الصوت. وحظائر القدس: لفظة وردت في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله، وأصل (الحظيرة) ما يعمل شبه البيت للإبل من الشجر ليقيها البرد، فسمى عليه