بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على (1) اجتهادهم. لم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم.
ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا تشعبتهم مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا ونى ولا فتور، وليس في أطباق السماء موضع إهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
* * * الشرح:
هذا موضع المثل: (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل) (2)! إذا جاء هذا الكلام الرباني، واللفظ القدسي، بطلت فصاحة العرب، وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه، نسبة التراب إلى النضار الخالص، ولو فرضنا أن العرب تقدر على الألفاظ الفصيحة المناسبة، أو المقاربة لهذه الألفاظ، من أين لهم المادة التي عبرت هذه الألفاظ عنها، ومن أين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وآله هذه المعاني الغامضة السمائية، ليتهيأ لها التعبير عنها! أما الجاهلية فإنهم إنما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير أو فرس أو حمار وحش، أو ثور فلاة، أو صفة جبال أو فلوات، ونحو ذلك. وأما الصحابة