أنساع الهودج، ثم قال لمحمد بن أبي بكر: اكفني أختك، فحملها محمد حتى أنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي.
* * * بعث على عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة، قال: فأتيتها (١)، فدخلت عليها، فلم يوضع لي شئ أجلس عليه، فتناولت وسادة كانت في رحلها، فقعدت عليها، فقالت: يا بن عباس، أخطأت السند، قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا! فقلت:
ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك، ثم قلت: إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة، فقالت:
وأين أمير المؤمنين! ذاك عمر، فقلت: عمر وعلى، قالت: أبيت! قلت: أما والله ما كان أبوك إلا قصير المدة عظيم المشقة، قليل المنفعة، ظاهر الشؤم بين النكد، وما عسى أن يكون أبوك! والله ما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين، ولا تأخذين ولا تعطين، وما كنت إلا كما قال أخو بنى أسد:
ما زال إهداء الصغائر بيننا * نث الحديث وكثرة، الألقاب (٢) حتى نزلت كان صوتك بينهم * في كل نائبة طنين ذباب.
قال: فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت: إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعالى، والله ما من بلد أبغض إلى من بلد أنتم فيه، قلت: ولم ذاك!
فوالله لقد جعلناك للمؤمنين أما، وجعلنا أباك صديقا، قالت: يا بن عباس، أتمن على برسول الله؟ قلت: ما لي لا أمن عليك بمن لو كان منك لمننت به على!
ثم أتيت عليا عليه السلام فأخبرته بقولها وقولي، فسر بذلك، وقال لي: ﴿ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾ (3)، وفى رواية، أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.