خطب علي عليه السلام لما تواقف الجمعان، فقال:
لا تقاتلوا القوم حتى يبدء وكم، فإنكم بحمد الله على حجة، كفكم عنهم حتى يبدء وكم حجة أخرى، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا من أموالهم شيئا، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى (1)، والأنفس والعقول، لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة، فيعير بها وعقبه من بعده.
* * * قتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده، وأخذت الأزد بخطامه، فقالت عائشة: من أنتم؟ قالوا: الأزد، قالت: صبرا، فإنما يصبر الأحرار، ما زلت أرى النصر مع بنى ضبة، فلما فقدتهم أنكرته. فحرضت الأزد بذلك، فقاتلوا قتالا شديدا، ورمى الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ.
* * * قال علي عليه السلام لما فنى الناس على خطام الجمل، وقطعت الأيدي، وسالت النفوس:
ادعوا لي الأشتر وعمارا، فجاءا، فقال: اذهبا فاعقرا هذا الجمل، فإن الحرب لا يبوخ (2) ضرامها ما دام حيا، إنهم قد اتخذوه قبلة، فذهبا ومعهما فتيان من مراد، يعرف أحدهما بعمر بن عبد الله، فما زالا يضربان الناس حتى خلصا إليه، فضربه المرادي على عرقوبيه، فأقعى وله رغاء، ثم وقع لجنبه، وفر الناس من حوله، فنادى علي عليه السلام: اقطعوا