رسولا منهم، يتلو كتابا لم يكن من قبله ولا يخطه بيمينه، إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما! أما بعد، فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقى عادل، مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى، ومعالم للدين، خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لا دنيا، كل الخير فيهم، واتبعهم من الناس ملوك وأقيال، وأهل بيوتات وشرف، ليسوا بناكثين ولا قاسطين، فلم يكن رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته حيث سلكوها، وغلبت عليهم دنيا مؤثرة، وهو متبع، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقد فارق الاسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم، وأنفا (1) من الذلة، فلا تفخرن يا معاوية، إن شددنا نحوك الرحال، وأوضعنا إليك الركاب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولجميع المسلمين.
فعظم على معاوية ما سمعه وغضب، لكنه أمسك (2)، وقال: يا عبد الله، إنا لم نرد بما قلناه أن نوردك مشرع ظمأ، ولا أن نصدرك عن مكرع ري، ولكن القول قد يجرى بصاحبه إلى غير ما ينطوي عليه من الفعل، ثم أجلسه معه على سريره، ودعا له بمقطعات وبرود فصبها عليه، وأقبل نحوه بوجهه يحدثه حتى قام.
وقام معه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي الجهنيان، فأقبلا عليه بأشد العتاب وأمضه، يلومانه في خطبته، وما واجه به معاوية.
فقال طارق: والله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل لي أن بطن الأرض خير لي من ظهرها عند سماعي ما أظهر من العيب والنقص لمن هو خير منه في الدنيا والآخرة، وما زهت به نفسه، وملكه عجبه، وعاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله واستنقصهم، فقمت مقاما أوجب الله على فيه ألا أقول إلا حقا، وأي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا!