شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٤ - الصفحة ٩١
رسولا منهم، يتلو كتابا لم يكن من قبله ولا يخطه بيمينه، إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما! أما بعد، فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقى عادل، مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى، ومعالم للدين، خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لا دنيا، كل الخير فيهم، واتبعهم من الناس ملوك وأقيال، وأهل بيوتات وشرف، ليسوا بناكثين ولا قاسطين، فلم يكن رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته حيث سلكوها، وغلبت عليهم دنيا مؤثرة، وهو متبع، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وقد فارق الاسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم، وأنفا (1) من الذلة، فلا تفخرن يا معاوية، إن شددنا نحوك الرحال، وأوضعنا إليك الركاب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولجميع المسلمين.
فعظم على معاوية ما سمعه وغضب، لكنه أمسك (2)، وقال: يا عبد الله، إنا لم نرد بما قلناه أن نوردك مشرع ظمأ، ولا أن نصدرك عن مكرع ري، ولكن القول قد يجرى بصاحبه إلى غير ما ينطوي عليه من الفعل، ثم أجلسه معه على سريره، ودعا له بمقطعات وبرود فصبها عليه، وأقبل نحوه بوجهه يحدثه حتى قام.
وقام معه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي الجهنيان، فأقبلا عليه بأشد العتاب وأمضه، يلومانه في خطبته، وما واجه به معاوية.
فقال طارق: والله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل لي أن بطن الأرض خير لي من ظهرها عند سماعي ما أظهر من العيب والنقص لمن هو خير منه في الدنيا والآخرة، وما زهت به نفسه، وملكه عجبه، وعاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله واستنقصهم، فقمت مقاما أوجب الله على فيه ألا أقول إلا حقا، وأي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا!

(1) ج: (وأنفة من المذلة).
(2) ج: (تماسك).
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية 3
2 53 - ومن كلام له عليه السلام في ذكر البيعة 6
3 بيعة علي وأمر المتخلفين عنها 7
4 54 - ومن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين 12
5 من أخبار يوم صفين 13
6 فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة 34
7 56 - ومن كلام له عليه السلام يخبر به عمن يأمر بسبه 54
8 مسألة كلامية في الأمر بالشئ مع العلم بأنه لا يقع 55
9 فصل فيما روى من سب معاوية وحزبه لعلي 56
10 فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي 63
11 فصل في ذكر المنحرفين عن علي 74
12 فصل في معنى قول علي: " فسبوني فإنه لي زكاة " 111
13 فصل في اختلاف الرأي في معنى السب والبراءة 113
14 فصل في معنى قول على: " إني ولدت على الفطرة " 114
15 فصل فيما قيل من سبق علي إلى الإسلام 116
16 فصل فيما قيل من سبق على إلى الهجرة 125
17 57 - ومن كلام له عليه السلام كلم به الخوارج 129
18 أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 132
19 عروة بن حدير 132
20 نجدة بن عويمر الحنفي 132
21 المستورد بن سعد التميمي 134
22 حوثرة الأسدي 134
23 قريب بن مرة و زحاف الطائي 135
24 نافع بن الأزرق الحنفي 136
25 عبيد الله بن بشير بن الماحوز اليربوعي 141
26 الزبير بن علي السليطي وظهور أمر المهلب 144
27 قطري بن الفجاءة المازني 167
28 عبد ربه الصغير 204
29 طرف من أخبار المهلب 213
30 شبيب بن زيد الشيباني 225
31 دخول شبيب الكوفة وأمره مع الحجاج 232