فأوغرت صدورنا، وشتت أمورنا، وحملتنا على الجادة (١) التي كنا نرى أن سبيل مركبها النار. فقال علي عليه السلام: ﴿وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ (٢)، يا أخا نهد، وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله، فأقمنا عليه حدا كان كفارته!
إن الله تعالى يقول: ﴿ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ (3) قال: فخرج طارق من عنده، فلقيه الأشتر، فقال: يا طارق، أنت القائل لأمير المؤمنين: (أوغرت صدورنا، وشتت أمورنا)؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها قال: والله ما ذاك كما قلت، إن صدورنا له لسامعة، وإن أمورنا له لجامعة. فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت، فلما جنه الليل همس (4) هو والنجاشي إلى معاوية، فلما قدما عليه، دخل آذنه فأخبره بقدومهما، وعنده وجوه أهل الشام، منهم عمرو بن مرة الجهني وعمرو بن صيفي وغيرهما، فلما دخلا نظر إلى طارق، وقال: مرحبا بالمورق غصنه، والمعرق أصله، المسود غير المسود، من رجل كانت منه هفوة ونبوة، باتباعه صاحب الفتنة، ورأس الضلالة والشبهة، الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رجلها، ثم أوجف في عشوة ظلمتها وتيه ضلالتها، واتبعه رجرجة (5) من الناس، وأشابة (6) من الحثالة لا أفئدة لهم: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (7).
فقام طارق، فقال: يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك، ثم قال: وهو متكئ على سيفه: إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده، فهم منه بمنظر ومسمع، بعث فيهم