حدث ابن الكلبي عن عوانة، قال: (1) خرج النجاشي في أول يوم من شهر رمضان، فمر بأبي سمال الأسدي، وهو قاعد بفناء داره، فقال له: أين تريد؟ قال: أردت الكناسة، فقال: هل لك في رؤوس وأليات قد وضعت في التنور من أول الليل، فأصبحت قد أينعت وقد تهرأت؟ قال: ويحك! في أول يوم من رمضان! قال: دعنا مما لا نعرف، قال:
ثم مه، قال: أسقيك من شراب كالورس، يطيب النفس، ويجرى في العرق، ويزيد في الطرق، يهضم الطعام، ويسهل للفدم (2) الكلام، فنزل، فتغديا، ثم أتاه بنبيذ فشرباه، فلما كان آخر النهار علت أصواتهما، ولهما جار من شيعة علي عليه السلام، فأتاه فأخبره بقصتهما، فأرسل إليهما قوما فأحاطوا بالدار، فأما أبو سمال فوثب إلى دور بنى أسد فأفلت، وأخذ النجاشي فأتى عليه السلام به، فلما أصبح أقامه في سراويل، فضربه ثمانين، ثم زاده عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين، أما الحد فقد عرفته، فما هذه العلاوة (3)؟ قال: لجرأتك على الله، وإفطارك في شهر رمضان. ثم أقامه في سراويله للناس، فجعل الصبيان يصيحون به: خرى النجاشي، خرى النجاشي! وجعل يقول:
كلا إنها يمانية وكاؤها شعر.
قال: ومر به هند بن عاصم السلولي، فطرح عليه مطرفا، فجعل الناس يمرون به ويطرحون عليه المطارف، حتى اجتمعت عليه مطارف كثيرة، فمدح بنى سلول فقال:
إذا الله حيا صالحا من عباده * تقيا فحيا الله هند بن عاصم وكل سلولي إذا ما دعوته * سريع إلى داعي العلا والمكارم هم البيض أقداما وديباج أوجه * جلوها إذا اسودت وجوه الملائم ولا يأكل الكلب السروق نعالهم * ولا يبتغى المخ الذي في الجماجم