قال إبراهيم: فأما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه، وخرج إليه منهم أوباش (1) فناوشوه بعد أن شتموه وأسمعوه، فأرسل إلى زياد والأزد، يستصرخهم ويأمرهم أن يسيروا إليه فسارت الأزد بزياد، وخرج إليهم ابن الحضرمي، وعلى خيله عبد الله بن خازم السلمي، فاقتتلوا ساعة، وأقبل شريك بن الأعور الحارثي - وكان من شيعة علي عليه السلام، وصديقا لجارية بن قدامة - فقال: ألا أقاتل معك عدوك؟ فقال: بلى، فما لبثت بنو تميم أن هزموهم واضطروهم إلى دار سنبيل السعدي، فحصروا ابن الحضرمي وحدوه، فأتى رجل من بنى تميم، ومعه عبد الله بن خازم السلمي، فجاءت أمه وهي سوداء حبشية اسمها عجلى، فنادته، فأشرف عليها، فقالت: يا بنى، انزل إلى، فأبى فكشفت رأسها وأبدت قناعها، وسألته النزول فأبى، فقالت: والله لتنزلن أو لا تعرين، وأهوت بيدها إلى ثيابها (2)، فلما رأى ذلك نزل، فذهبت به، وأحاط جارية وزياد بالدار، وقال جارية: على بالنار، فقالت الأزد: لسنا من الحريق بالنار في شئ، وهم قومك وأنت أعلم، فحرق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا، أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي التيمي، وسمى جارية منذ ذلك اليوم محرقا، وسارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الامارة، ومعه بيت المال، وقالت له: هل بقي علينا من جوارك شئ؟ قال:
لا، قالوا: فبرئنا منه؟ فقال: نعم، فانصرفوا عنه. وكتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
أما بعد، فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك، فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره وأعانه من الأزد، ففضه واضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه، فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما، فقتل ابن الحضرمي وأصحابه، منهم من أحرق بالنار، ومنهم من ألقى عليه جدار، ومنهم من هدم عليه البيت من أعلاه، ومنهم من قتل بالسيف، وسلم